بلا قناع – النوايا حسنة والنتائج سيئة
صالح الشايجي
ليست ـ بالضرورة ـ أن تكون الجهود المبذولة في سبيل هدف خيّر وما وراءها من نوايا حسنة تصدر من نفوس طيبة وصادقة ومؤمنة بما تفعل، أن تكون جهودا مثمرة أو ناجحة أو أنها ذات جدوى.
فلا تكفي النوايا الحسنة لتحقيق الخير الذي يسعى أصحابها الى تحقيقه.
ومما أراه في هذا الخصوص، تلك الجهود المبذولة من قبل بعض الدول والجهات الرسمية وبعض مؤسسات المجتمع المدني وحتى الأفراد، من أجل تقريب المعتقدات الدينية الى بعضها وإقامة حوارات ومؤتمرات وندوات تصرف عليها أموال هائلة.
هي ـ لا شكّ ـ جهود مشكورة، ولكنها وللأسف بلا جدوى وتذهب هباء ولا يتحقق الهدف منها، وتضيع كل تلك الأموال التي أنفقت هدرا، ويبقى بعدها كل ذي معتقد على معتقده لم يتزحزح عنه قيد أنملة.
وبقاء ذي المعتقد على معتقده هو أمر طبيعي، وإلاّ ما كان أساسا اعتنقه وانتهجه.
ولو أنّ أصحاب النوايا الحسنة أولئك والذين دبروا لهذه المؤتمرات وفتحوا القاعات وأقاموا الندوات، خصصوا جهودهم وبذلوها من أجل تقريب معتنقي تلك المعتقدات الى بعضهم، لكان ذلك أجدى وأنفع، وربما أثمر واقعا جديدا يعيش فيه الناس المختلفون دينيا ومذهبيا بسلام وأمان، إخوة يتعاطون المحبة ويتعاونون في الحياة من أجل مساعدة بعضهم وإعلاء شأن الإنسانية الشاملة للجميع.
إن حامل المعتقد الديني، لم يصنع هو معتقده ولم يكتب فيه حرفا واحدا، ولكنه وجده هكذا منذ نشأته الأولى، وبالتالي هو لا يستطيع ولا يحق له تغييره أو تعديله بما يتوافق مع المعتقد الآخر.
اليهودي ـ مثلا ـ لن يقنعه المسيحي بتذويب الخلافات بين الديانتين لصالح الديانة المسيحية، وذلك لأنه ليس هو واضع ديانته بل جاء الى الحياة ووجدها كذلك وآمن بها كما هي.
وكذلك لو فعل المسلم مع المسيحي الفعل نفسه، فسوف يفشل الفشل نفسه وللأسباب ذاتها.
حتى بين المذاهب في الديانة الواحدة، ستكون النتيجة ذاتها فيما لو فكر أحد في محاولات التقريب بين المذاهب في الدين الواحد.
إنّ ما يجب على الحكومات والناشطين ومؤسسات المجتمع المدني وأصحاب النوايا الحسنة فعله، هو تغييب محاولات التقارب بين المعتقدات الدينية، لأن في تلك المحاولات الحميدة والخيرة إحياء لنزعة الاختلاف ومن شأنها ارتداد الانسان أكثر إلى معتقده الذي يراه الأصوب.
فيا أيها الصالحون والمصلحون، دعوا كلاًّ في معتقده وركزوا جهودكم على أن يعيش المختلفون عقائديا بسلام مع بعضهم، وأن يحتفظ كلٌ بما يعتقد.
قاربوا بين الأجساد ودعوا عنكم الأفكار، فذلك أجدى.