تُعرِّف موسوعة «بريتانيكا» مُستحضرات التجميل على أنها مُنتجات لا يحتاجها أحد، بينما يريدها الجميع بدافع من طبيعة النفس الإنسانيّة.
وعلى مدار التاريخ الإنساني، وحتى قبل المحاولات الجادة لتدوين مشاهد التاريخ وأحواله، أراد بشرٌ مختلفون استخدام مُستحضرات التجميل بدوافع عِدة، حظيت باستخدامها صور الأشخاص التي يرونها على صفحات الماء أو الأسطح المعدنية اللامعة أو المرايا أو في عيون من حولهُم مزيد من الرضا عن الذات والإعجاب بها وبصورتها المُعدلة بإضافة مُستحضرات التجميل إليها.
وبقدر ما أسهمت مُستحضرات التجميل على مدار التاريخ في رضاء بشر عن صورتهم، أو تدعيم انتماءهم لجماعة مُعينة، بقدر ماتنوّعت هذا المُستحضرات أشكال هذه المُستحضرات، والمواد المُستخدمة في تجهيزها وتطويع البيئة لانتاج هذه المُستحضرات، واختلفت أشكالها من شعب لشعب، ومن جماعة بشرية لأخرى.
وعلى مدار التقرير التالي، تستعرِض «المصري لايت» محطّات في تاريخ تطوّر مُستحضرات التجميل تعرّف على بعضها الأثريون بالتنقيب في أحضان الماضي، واستخدام وسائل غاية في الابتكار لرسم صورة أكثر وضوحًا لما كانت عليها الحياة آنذاك بمحض خيوط قليلة وشواهِد أقل، وكيف جمّل الأقدمون ذواتهم من قبل مجئ عهد شركات تجارة الجمال ومُستحضراته، قبلما يُصبح أمر الجمال في يد رجال الصناعة والاحتراف، بحسب دراسات نشرت على مواقع «medusasmakeup»، و«artisbrush».
5. مصر الفرعونيّة: مهد الجمال المُقدّس
بالرغم من مستحضرات التجميل الأثرية التي تعثّر فيها الأثريون في كهوف جنوب أفريقيا، والتي يرجع تاريخها إلى 164 ألف عام ما قبل الميلاد، وهي عبارة عن 57 نوعًا من الأحجار المُلوّنة المطحونة، والتي يُرجّح أنما طُحنت لأجل تلوين بشرة مُستخدميها لأغراض الزينة، ومن بينها مساحيق حمراء فاقعة ووردية رقيقة.
وبالرغم من عادات أفراد القبائل البدائية في أكثر من بُقعة عمّرها الإنسان على وجه الأرض تلوين أجسادهم بشكل يضاهي النبات والحيوان ويُقلدهما، في بذرة أولى لمحاولات الإنسان المُضنية والمُستمرة لتغيير شكله وتطويره ليرضى عن نفسه، إلا أن اهتمام المصريين القدماء بمُستحضرات التجميل يُعد الأكثر وضوحًا.
بغير تفرقة بين رجل وامرأة في هذا الوقت، استخدمت مُستحضرات التجميل في مصر القديمة التي تبعد عن مصر اليوم بما يزيد عن الاثنيّ عشر ألف عام، منهم عشرة قبل الميلاد، ومن المرجح أنما استخدمت في المقام الأول للرجال الذين دهنوا جلودهم بزيوت ودهون حيوانية ممزوجة بنباتات عطرية من بينها الكاموميل والليلي والزهور واللافندر والروزماري، وذلك لبسط عضلاتهِم المعرّضة لحرارة الشمس مع تطاول فترات العمل، وتجميل رائحة أجسادهم، وتنعيم جلودهم، وفرد تجاعيدها.
غير أن الزيوت والعطور لم تكُن وحدها مظاهر التجميل في مصر القديمة، فالفراعنة القدماء تميّزوا برسم عيونهم بشكل مُميّز مُستخدمين في ذلك خلطة سريّة مميزة ومركبة من مساحيق اللوز المحروق، وأوكسيد النحاس وأكاسيد الرصاص والرصاص نفسه والرماد تمزج جميعها لصُنع مستحضر «الكُحل» التي اعتاد النساء أن يحتفظن به في صناديق خاصة، وإحضاره معهُن إلى الحفلات، ووضعه تحت كراسيهن لتصليح زينتهن والإبقاء على وجوههن في كامل أبهتها طوال المناسبات الاجتماعية والدينية.
وإلى جوار خلطة الكُحل المُقدسة، والتي رُدت على الأرجح إلى رسمة عين الإله «حورس» وجاءت مُشابهة لعين الصقر التي كان يمتلكُها الإله المُقدّس، لحماية رُسامها من الشرور بفضل عين الإله الحارسة.
جدير بالذكر أن مستحضرات التجميل في مصر الفرعونية امتلكت من التعقيد والتنوّع ماعكس اهتمام المصريين القدماء بقيمة الجمال بشدة، ومن ذلك استخدام مسحوق حجر «الملكيت» الأخضر لتظليل الجفون، أو مزيج من مساحيق النحاس وأكاسيد الرصاص سويًا لإثراء «باليتّة» ألوان المصريّة القديمة التي تعطيها غير اختيار في تجميل نفسها، واستخدمت الأصباغ الحمراء كأحمر شفاه، والحنّاء الممزوجة بالأصباغ السوداء لصبغ الشعر، والتي سجّلت مقتنيات المقابر اهتمامًا حثيثًا منها بمستحضرات التجميل، لدرجة أن صحبت حاويات مستحضرات التجميل معها إلى مثواها ما قبل الأخير، حسب العقيدة المصرية القديمة، لتواصل استخدامها في الحياة الآخرة، بينما وهبت للملكات المصريّات هويّة مصريّة خالصة لازالت معروفة ومفضلة لليوم، وللمصريين بشكل عامًا خطًا في التزيين والجمال، والذين اقتبس عنهم بعض ملامح هذا الخط اليهود فيما بعد، كما حكى العهد الجديد من الإنجيل.
4. طبقيّة «طلاء الأظافر»
وفي حين تزامنت دولة الأسرات المصرية القديمة في الألفية الثالثة قبل الميلاد مع تعقيدات أكثر في شغف المصريين القدماء بمستحضرات التجميل وسجلت معابدهم ومقابرهم هذا الولع، إلا أنه في النصف الآخر من الكُرة الأراضية، كان شعبٌ مُجاور يستخدم ألوان مستحضرات التجميل للتمييز بين طبقات الشعب، في الصين.
بخليط من الصمغ العربي، والجيلاتين، وشمع العسل، والبيض، صنع الشعب الصيني أول طلاء أظافر لأغراض ربما ليست تجميلية بحتة، وإنما احتفظت كل طبقة بلون طلاء أظافر حكرًا عليها: فسلالة «التشو» الملكية اعتادوا أن يطلوا أظافرهم باللونين الذهبي والفضي، بينما اعتاد أفراد الحاشية الملكية طلاء أظفارهم بالأحمر والأسود، أما الطبقات الدُنيا من الشعب حُظر عليها طلاء أظفارهم بأي من الألوان الناصعة.
3. بياض الثلج الأوروبي
وفي حين على ما يبدو أنه قد تصالح الفراعنة تمامًا مع سمار البشرة المتوارثينه بفضل شمس وادي النيل الدافئة، إلا أن سُكان القارة الأوروبية من قديم سُكناهم هنالك وهم يهتمون ببياض لون البشرة.
ولأجل هذا البياض المنشود، ومنذ عصور يونان ماقبل الميلاد، والتي ربما تزامنت مع بداية التأريخ لمستحضرات تجميل مصرية واضحة المعالم، بدأ الإغريق في استخدام مسحوق الحجر الجيري أو الطباشير لطلاء جلودهم وبالأخص وجوههم باللون الأبيض، بينما حظيت شفاههم مُبكرًا بمسحات من مزيج البترول مع أكسيد الرصاص كأحمر شفاه مُبكر في عُمر التاريخ.
وفي حين تعقدت وسائل التجميل في هذه المنطقة من الأرض فيما بعد واتخذت أشكالاً عِدة اقتبست من أكثرها مستحضرات التجميل الحديثة التي تستخدمها إناث العصور الحديثة، إلا أن بياض لون الجلد ظل اهتمام الأوروبيات حتى العصور الوسطى بمظهر شاحب رُبما يؤكد انتماء السيدة للطبقة الارستقراطية بيضاء البشرة، ومن أمثلة هذه المستحضرات استخدام الزبدة والدقيق كمستحضرات غاية في البدائية لتبييض بشرة نساء روما حول المائة عام الأولي مابعد بداية التقويم الميلادي، إلى جوار طلاء الأظافر بدماء الحيوانات.
2. الموت مقابل الجمال
واستمرت وصفات تبيض لون البشر على مدار التاريخ الأوروبي، ففي عصر إليزابيث الأولى التجأت السيدات لاستخدام بياض البيض لإعطاء هذا اللون الأبيض اللامع لوجوههن، غير أن السيدات بعد ذلك كان على موعد مع وصفات أكثر خطورة.
ففي القرن السادس عشر، وفي حين كان اللون الشاحب هو اللون الرسمي لبنات الطبقة الإرستقراطيّة، أرادت النساء والفتيات ذلك بشدة، ومن ثم طبقن الخيار الأكثر صعوبة للوصول لهذا المظهر وهو إذماء أنفسهن للحصول على هذا المظهر، وإن كان المقابل خطر فقر الدم أو الهبوط في الدورة الدموية.
غير أن أكثر الوصفات خطورة على الإطلاق للتجميل كانت بدعة استخدام الرصاص كمستحضر تجميل: فالمجتمع اليوناني الروماني في مجمله ومن قديم الأزل اعتاد مزج الحجر الجيري بالرصاص الأبيض في التجميل، وتطوّر استخدام الرصاص بعد ذلك في أكثر من مجتمع، أما في عصر النهضة في إيطاليا على وجه الخصوص، استخدم الرصاص بشكل موسّع، وأوصت «سينيورا توفانا»، إحدى القائمات على صنع مستحضرات التجميل في هذا الوقت لنساء الطبقة العُليا، استخدام مسحوق «أكوا توفانا»، والذي تُعرفه اليوم افة الموسوعات على أنه سُم محقق، لكيّ تغرين أزواجهن بجمالهن.
ويتكوّن مسحوق أكوا توفانا ذاك، والذي أوصت السنيورة المُتمرّسة باستخدامه بعناية، ووضعه في حضره الأزواج فقط لتقليص الفترة الذي يبقى فيها على الجلد لأدنى مُعدلاتها وأن يحبسن أنفاسهن فيم يضعنه حتى لايستنشقنه، من مادة الزرنيخ، وبالرغم من ذلك نجح أكوا توفانا في تصفية حوالي خمسمائة من الأزواج قبل أن تتنبه الدولة لاختصاصية الجمال القاتلة وتعذبها حتى الموت، هذا فيم اعتبر البعض أنما كان غرضها بالأساس هو تخليص النساء من أزواجهن المغصوبات عليهن بقتلهن بمستحضر تجميل، بغير النظر إلى حالات القتل والتضرر الصحي الخطير الذي عانته المُستخدمات كذلك.
ولم تتوقف وصفات الخطر للجمال عند هذا الحد في أوروبا، ففي القرن التاسع عشر عاد الرصاص للمشهد مرة ثانية، هذه المرة بمصاحبة مسحوق الزئبق، غير أن حزمة من الآثار الجانبية جاءت مع هذا المُستحضر، لعل أبسطها تدمير الجلد وسقوط الشعر، بينما وصلت الآثار الجانبية التي كابدتها النساء للموت في بعض الحالات.
وبالرغم من الوعي أن بعض الوصفات كانت من الخطورة بمكان لتمرض أو تقتل، إلا أنها استخدمت على كُل حال: فنبات «بيلادونّا» القاتل استخدم من قبل النساء لأعطاء عيونهن مظهر مضيء، بالرغم من وعيتهن أنه سام في أعقاب القرن الثامن عشر، بينما استخدم «القطران» أو زفت البترول لصبغ الشعر في نفس التوقيت تقريبًا، والذي يعرف الأطباء جيدًا اليوم أنه مسبب قوي لمرض السرطان بغير شك، كُل هذا قبل أن يأتي عصر استنفاذ كُل المحاولات في اختبار مدى أمان مستحضرات التجميل التي تستخدمها السيدات قبل وصولها لجلودهن.
1. ألوان لفتيات الليل
وبعيدًا عن حالة الاهتمام بنصاعة البشرة وربما الشحوب في بعض الأحيان، فإن مستحضرات التجميل في أوقات متعددة من عمر أوروبا أثارت سجالاً مجتمعيًا حول هوية المستخدمين وما تقوله عنهم وعن دورهم في المجتمع.
ينسب للفيلسوف والكاتب المسرحيّ الروماني «بلاوتوس» الذي عاش في القرن ما قبل الأخير قبل الميلاد، مقولة رُبما تبدّى فيها تأثره بطبيعة الأزياء ومستحضرات التجميل السائدة في المسرح في هذا الزمان، يقول بلاوتوس «امرأة بغير ألوان، كطعام بغير مِلح».
وفي حين خطت الدولة الرومانية بشكل موسّع مابعد الميلاد خطوات متطورة في استخدام مستحضرات التجميل باستخدام الكحل لتحديد العيون بشكل مميز، وأحمر الشفاه والحجر الجيري لتبييض البشرة، إلا أن الشحوب كان «موضة»أ خذت وقتًا طويلاً لتتوارى كسمة من سمات المرأة المنتمية للطبقات الراقية في العصور الوسطي، في حين اعتقد أوروبيو هذا العصر أن استخدام مستحضرات التجميل وبالأخص زاعقة الألوان وقتها عادة لصيقة ببائعات الهوى، كالأسبانيات اللاتي اعتدن أن يضعن ألوانًا ورديّة.
وبينما حمل القرن الثالث عشر انفراجة في حق أحمر الشفاة الذي استخدم بشكل موسّع للدلالة على جاهزيّة النساء الثريات لشراءه، أعطت حقبة الملك الإنجليزي تشارلز الثانيّ متسعًا لاستخدام مستحضرات التجميل بغزارة وبشكل مفرط لمداراة ماقد يعتقد فيمن لا يستخدمه بأنه مريض بأحد الأوبئة القاتلة.
أما في فرنسا، وبعد سقوط نابليون، اعتاد الفرنسيون استخدام المساحيق وأحمر الشفاه للإيحاء بالأرواح المرحة للمُستخدمين وحبهم للحياة، غير أنه لم يقل إلا بتلميحات باقي سُكان أوروبا تجاه الفرنسيين بأنهم على الأرجح يدارون شيئًا خلف هذا الاستخدام المبالغ فيه لمستحضرات التجميل.
أما في عهد الملكة «فيكتوريا»، والذي استمر إلى مطلع القرن العشرين، عادت مستحضرات التجميل لتصبح وصمة في حق مُستخدميها الذين أرادوا أن تنقطع صلتهم بسير الفنانات والعاهرات فتركوا استخدام مستحضرات التجميل المبهرة مقابل بضع الوصفات المنزلية الطبيعية والصحية البسيطة لأغراض النضارة.
وبالرغم من أن ابتكار «الماسكرا» أو مقويات الرموش جاءت في عام 1910 معلنة عن مرحلة ثورية وفصل جديد في صناعة مستحضرات التجميل، وبدأ الأمر في التحول لتجارة عالمية وفصول موسمية لتصدير الموضة لدول العالم عبر أفلام السينما، إلا أن هذه قصة أخرى.