الأغلبية الصامتة – عند حافة الخطر
إبراهيم المليفي
في عالم ‘الواتساب’ رسالة تحمل صورة كرت أصفر وكلمة مكرر تستعمل بعد إرسال أي مادة مكررة سبق نشرها في ‘القروب’ من عضو ‘مدوده’ لا يكلف نفسه عادة متابعة مشاركات بقية الأعضاء.
الحال نفسها تتكرر في الحياة اليومية، وهي استعمال الكرت الأصفر بوجه الكلام نفسه والحجج نفسها التي تقال عند تكرار ذات المشاكل والأزمات التي تعيد إنتاج نفسها مع تغييرات سطحية لا تمسّ الجوهر، وهو الإهمال والتردد والتعمد أحيانا، هذا الوضع الممل منطقي جداً، لدينا علل في جميع الاتجاهات يتم عرضها للتشخيص محليا ودوليا على أكثر من طبيب مختص، ويأتي الرأي متطابقا ‘الإدارة فاشلة وعلاجها يبدأ بتغيير النهج والوجوه’، صناع العلل لا يعجبهم ذلك فيأتون بأطباء موثوقين من ‘الحظيرة’، ويا للعجب يأتي رأيهم نسخة مطابقة لمن سبقوهم.
الوضع العام تجاوز منذ زمن مراحل التجريب والمجاملة ووصل إلى مرحلة ‘الاهتراء’ في مستوى الخدمات العامة الأساسية، ويمكن اختصاره بأننا كشعب ننام يوميا عند حافة الخطر من انقطاع الكهرباء والماء أو توقف تصدير النفط أو حتى رفع الدعم عن البنزين والتموين وسعر الخبز.
لقد أصبح كل شيء مباحاً متاحاً أمام صناعة الطاقة السلبية وتسويقها محليا ودوليا، لأن أعتى عتاة الدروع البشرية في الدفاع عن الحكومة بات يخشى الإطالة في ‘واجبه الوطني’ داخل الدواوين المشاغبة قبل أن تنقطع الكهرباء فجأة، فالطاقة السلبية لا تنبع من الفراغ بل من التهاون والقرارات الخطأ، والتأخر في حسم ما لا يمكن تأجيله، والتعجل في عقاب من غرد خارج السرب.
وهذه الطاقة السلبية لا ينشرها المحبطون في ‘تحلطمهم’ بل الوقحون السيئون الذين يختارون من هم أسوأ منهم في أخطر المراكز، حتى يقال إن من اختار أفضل ممن اختير، أليس هذا الوضع الحالي؟ لقد وصل ‘اللعب’ إلى القطاع الذي نأخذ منه رواتبنا وهو القطاع النفطي، فهل أدركتم معنى النوم عند حافة الخطر؟
ألم نقلها من قبل إن الحكومة تصنع معارضيها؟ ها هم أكثر الناس بعداً ونأياً عن السياسة وهم الرياضيون، اقتلعتهم الحكومة من ملاعبهم ومدرجاتهم لتضعهم في أتون السياسة، وواقع الإيقاف الشامل لنشاطهم رغما عنهم، كما فعلت مع المحايدين الذين لا يريدون غير سكن وحياة هادئة بلا زحمة وغلاء وبطالة وعلاج سيئ، هذه الأوضاع بالمناسبة تتشكل بقوة الدفع الذاتي بلا صوت معارض أو أي حراك في الشارع.
لقد رفعت لنفسي كرتاً أصفر وكلمة مكرر عدة مرات، ولن أملّ من التكرار لأن العلل مكررة والتشخيص مكرر والعلاج مكرر حتى نجد جديداً نستبدل به خيبتنا بأمل وتراجعنا بتقدم ونكستنا بنهضة.