الرئيسية / كتاب وآراء / المجالس الحسينية برأي حسن كرم ينبغي أن تكون مراكز للتنوير والدعوة لوحدة المسلمين

المجالس الحسينية برأي حسن كرم ينبغي أن تكون مراكز للتنوير والدعوة لوحدة المسلمين

نشأة المجالس والمآتم الحسينية..!

حسن علي كرم

وأنا أبحث بين صفحات الكتب والمطويات عن نشأة وتاريخ المجالس الحسينية، عثرتُ على السؤال التالي، وهو من سائل من مدينة بغداد يسأل «من أول من بكى على الامام الحسين (عليه السلام) ومن أول من أقام عزاءً له»؟ ويرجو ان يكون الاستشهاد بكتب أهل السنة.
و ملخص الجواب على سؤال السائل البغدادي هو أنه « أتفقت كتب الحديث والرواية، سواء كانت من مؤلفات الشيعة أو من مصنفات إخواننا السنة، على أن جبرئيل قد أوحى الى النبي (صلى الله عليه وآله) بنبأ مقتل الأمام الشهيد الحسين ( عليه السلام) ومكان استشهاده ومن أنذاره (صلى الله عليه وسلم) ما رواه عروة عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث قالت «دخل الحسين بن علي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يُوحَى اليه، فبرك على ظهره وهو منكبٌ ولعب على ظهره، فقال جبرئيل: يا محمد إن أمتك ستُفتنُ بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك، ومد يده فأتاه بتربةٍ بيضاء وقال في هذه الأرض يُقتل ابنك اسمها ألطف، فلما ذهب جبرئيل خرج رسول الله ألى أصحابه والتربة في يده، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحُذيفة وعمار وأبوذر وهو يبكي، فقالوا ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: أخبرني جِبْرِئيل أن ابني الحسين يُقتل بعدي بأرض ألطف، وجاءني بهذه التربة، فأخبرني أن فيها مضجعه، ثم يضيف السيد محسن الأمين العاملي على ذلك بقوله: «ولابد أن يكون الصحابة لما رأوا رسول الله يبكي لقتل ولده وتربته بيده، وأخبرهم بما أخبره جبرئيل من قتله وأراهم تربته التي جاء بها جبرئيل أخذتهم الرقة الشديدة فبكوا لبكائه وواسوه في الحزن على ولده، فان ذلك مما يبعث على أشد الحزن والبكاء لو كانت هذه الواقعة مع غير النبي والصحابة، فكيف بهم معه، فهذا أول مأتم أُقيم على الحسين يشبه مأتمنا التي تُقام عليه، وكان الذاكر فيه للمصيبة رسول الله والمستمعون أصحابه «.
ويذكر التاريخ أن أول مأتم أُقيم بعد واقعة ألطف مباشرة تكون من السيدات والفتيات والعلويات وهن زوجات وأخوات وبنات الأمام الحسين والهاشميين الذين استشهدوا معه، وقد عقد ذلك المأتم في العراء فوق ساحة المعركة، كما أُقيمت مأتم أخرى في وسط الطريق عندما سِيقت النساء أُسارى ألى الشام فعلى طول الطريق كانت النساء يندبن قتلاهن وينشرن مظلومية أهل البيت، وأقامت أُم سلمة أول مأتم للحسين في المدينة المنورة، وكانت هي اول صارخة على الحسين، وكان الموالون والمحبون يأتون جماعات وفرادى المأتم ويقدمون تعازيهم ومواساتهم لأهل بيت النبوة، وينقل التاريخ أن أول زائرٍ لقبر الحسين (عليه السلام) هو عبدالله بن الحر الجعفي لقرب موضعه منه، ووقف على الأجداث ونظر الى مصارع القوم فاستعبر باكياً ورثى الحسين وجاء في «بحار الأنوار» أن أول من قرأ الشعر على مصيبة سيدالشهداء الإمام الحسين هو عقبة بن عمرو السهمي من قبيلة بني سهم «مررتُ على قبر الحسين بكربلاء
ففاض عليه من دموعي غزيرها» الخ، وهي قصيدة الشاعر المعروف السيد الحميري الذي هجا بها زياد بن أبيه، وبسببها حبسه عبيد الله بن زياد وعذبه، وينقل التاريخ أنه مرت على المأتم الحسينية فتراتٌ ضعف وقوة تبعاً للظروف، ففي العهد العباسي كانت المأتم تمنع تارةً ويسمح بإقامتها تارةً أخرى، إلا ان أيام المأمون كانت تقام المجالس علناً، وفي القرن الثالث الهجري تطورت النياحة ألى قراءة «مقتل الحسين» لأبن نمائم أبن طاووس، وهي أول كتب المقاتل، ومن ذلك الحين أطلق على من يقرأ النياحة في عاشوراء أسم قارئ المقتل أو القارئ، وبعد انهيار الدولة العباسية وصعود البويهيين الى السلطة في القرن العاشر الميلادي (963 م -352 هجري تقام للمرة الاولى في التاريخ احتفالات رسمية وفريدة في يوم عاشوراء، وأول من جعل اليوم العاشر من المحرم يوم حزن لذكرى موقعة كربلاء بصفة رسمية هو معز الدولة البويهي، ومن المظاهر الحسينية في مصر في عهد الدولة الإخشيدية والفاطمية حيث اتسع نطاقها وتوقف البيع والشراء، ويقرأ مقتل الحسين ثم ينشد الشعراء ما قالوه في الحسين وأهل بيته الى أن ينتصف النهار، فيدعى الناس الى مائدة الخليفة، وأما الصفويون الذين حكموا ايران بداية القرن السادس عشر الميلادي فقد جعلوا الاحتفال بيوم العاشر يوما رسميا، وبحلول القرن التاسع عشر انتشرت الاحتفالات في جميع أنحاء ايران.
إن الحديث عن تاريخ والمأتم الحسينية يطول، الا أن حسبنا القول ان المأتم قد انتشرت واتسع نطاقها فلا بقعة أرض في العالم الا وذكرى الحسين حاضرة، فثورة الحسين لم تكن لتموت بعد مقتله ( عليه السلام) إنما ثورة قامت لتبقى ولتكون منارة تستضيئ طريق المظلومية، ولقد استشهد بالحسين قادة وزعماء وها هو غاندي الزعيم الهندي يستلهم تحرير بلاده من ثورة الحسين، والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ما فتأ أن يذكر في كل خطبه الحسين وثورة الحسين على الظلم.
ان المجالس الحسينية ينبغي أن تكون مراكز للتنوير والتوعية والدعوة لوحدة المسلمين بكل فرقهم وشيعهم، فان اختلفت المذاهب فما يجمع المسلمين أكثر ما يفرقهم، ولعل المطلوب هو ترك العصبية ونبذ الكراهية فأهل بيت النبوة ليسوا ملكاً حصرياً للشيعة ولا غيرهم من المسلمين يكرهون أهل البيت، سيما أننا كلنا نتوجه في اليوم خمس مرات ألى القبلة للصلاة، ونصلي على محمد وعلى أهل بيته، من هنا ومن أجل توحيد لحمة المسلمين لا سيما في هذه الظروف النكدة والقاتلة والتي شحذت فيها سيوف التطرف والكراهية ونبذ الآخر أن يركز الخطاب الديني والملحمي على الصور التوحيدية التي تقرب القلوب وتوحد الصفوف وما أكثر ما في التاريخ من الصور الجميلة والإيجابية.

سلام على الحسين وعلى شهداء ألطف في يوم ليس كمثله يوم.

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*