ينشط الإعلام عادة في الحالات التالية أولا: قبل وأثناء وبعد الحرب، ثانيا: عند حدوث كوارث طبيعية، ثالثا: أثناء انتخابات رئاسية، أو برلمانية، أو بلدية وذلك للترويج عن منتج بشري يمكن له أن يضحك على الشعب ليحرز عدداً كافياً من الأرقام ليحصل على الرئاسة، رابعا: لخلق فتنة طائفية، خامسا: تم استحداث نشاط جديد غرضه اسقاط دول بمعيّة شخصيات إعلامية. أما باقي الأخبار فتغطيتها روتينية وقد يغلب عليها الدعاية والاعلان لتغطية التكاليف.
أرجو أن ينتبه قارئي العزيز أنني قلت ينشط الإعلام، ولم أقل يقدم الإعلام، ولم أعرض لأهدافه وذلك لأننا منذ زمن بعيد ونحن نفتقد للإعلام الذي ينقل خبراً بمصداقية، أو يناقش قضية بموضوعية،أو يساهم في حصد رأي عام حول قضية بحيادية، أو إعلام يمتهنه إعلاميون،وكل ما هنالك أن مجموعة من الأفراد يملكون نفوذاً معيناً ولديهم توجهات أو أجندات خاصة يطرحون ما يريدون ليغرسوا ثقافة خاصة عند المتلقي يطلقون عليها وقت الحاجة الوعي بالحقائق والمعرفة بالوقائع، ويحملّون المتلقي بعد ذلك مسؤولية تكوين رأي عام في قضية تتناسب مع أجنداتهم الخاصة. استغلال واستغفال المنظومة الفكرية للمتلقي أصبح هو عمل الإعلام، ولكن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ووجود القنوات الاخبارية الالكترونية بطريقة سهلة ومع افتقار التطور التكنولوجي الى قانون ينظم استخداماته الالكترونية حيث لا يزال الى الآن العمل مستمرا لصناعة قانون ينظم الإعلام الالكتروني نجد أن هناك بعض القنوات الإعلامية الالكترونية أضافت الى استغلال واستغفال الإعلام نهجاً جديداً يمكن أن نطلق عليه نهج املأ الفراغ،وهو أمر يسيء للجادين منهم.
فبين الحين والآخر يعرض الإعلام الالكتروني دراسات مضحكة وغريبة نوعا ما.لا ترقى أن تنشر على صفحات الإعلام. ونحن لا نعلم اذا كان هذا التوجه الجديد لبعض موظفي الصحف الالكترونية أتى بناء على صحوة ثقافية اجتاحت مبادئهم، أم أنه خبر لسد خانة فارغة لديهم، أم هو تعمد يقصد به لفت انتباه المتابع عن القضايا المهمة، أو هو عدم مقدرتهم على الحصول على أخبار حقيقية. ولكن كل ما نعلمه أن نوعية الدراسات التي يتم عرضها سواء كانت صحيحة وأنا استبعد أنها كذلك، أو مفبركة وهذا ما تأكدنا منه تدل على العقلية السطحية التي يتمتعون بها.
ان الغرض من اللجوء الى الإعلام لعرض دراسات حقيقية هو اطلاع المجتمع على أسباب الدراسات ونتائجها والحلول المقترحة لتمكن أولا:الأفراد من تجنب الأسباب، وثانيا: اتخاذ الحلول «منهج» في حال وقوع الفرد في المشكلة وترشده الى أين يتوجه ولمن.ثالثا: ردود فعل أفراد المجتمع لأي دراسة قام بها الباحثون والدارسون قد تساعد على استكمال جزء قد يكونون غفلوا عنه، أو هي مفتاح لظهور دراسة جديدة.لذلك تكون اعداد الدراسة أسهل بكثير من صياغة نشرها إعلاميا وهذا بالطبع ما لا يتمتع به دخلاء الإعلام الجدد الذين يبثون سمومهم عبر صفحاتهم الالكترونية والتي هي أكثر تداولا بين أفراد المجتمع لسهولة الاطلاع عليها.
وقد يسأل القارئ كيف يكون اعداد الدراسة أسهل من صياغتها إعلاميا ؟ ان المساحة الكبيرة التي تسمح للباحثين بالتعبير وتوثيق أفكارهم اكبر بكثير من مساحة الإعلامي الذي يحاول أن ينشر للدراسة إعلاميا وهذا بحد ذاته أحد أهم الأسباب التي تسهل على الباحث اعداد الدراسة بأريحية وتقدم له الفرصة بالتحرك والحذف والاضافة للمعلومات أو النتائج أو المقترحات، أما الإعلامي يظل مقيدا في مساحة معينة يحاول من خلالها لفت انتباه القارئ الى أهمية هذه الدراسة.
ورغم الحرية التي يطالب بها الإعلاميون بصفة خاصة فهم بحاجة لها أكثر من غيرهم لنقل الأخبار والآراء والأفكار. الا أننا نجدهم بحكم عملهم مقيدون بالدرجة الأولى أكثر من غيرهم، فالمناضل أو الثوري أو المعارض يلجأ الى الحرية ويستطيع أن يستخدمها كيفما يشاء، ولكن الإعلامي مقيد بأمور كثيرة أهمها أن الإعلامي يفترض به أنه يزاول مهنة تحترم جميع الآراء؛ لذا يفترض به أن لا ينتمي الى حزب أو يعتنق فكر أو يتبع توجه معين فانتماؤه لن يساعده على تطبيق الحرية للجميع ولن يحترم الرأي الآخر، والتقييد الثاني هو المساحة المحددة التي تفرض عليه، فالاختصار مطلوب،والاقتصار على الأولويات واجب، والحيادية جزء من أخلاقيات المهنة التي يجب أن يطبقها، وهناك الكثير من القيود تحتاج الى نوعية نادرة من الإعلاميين يتمتعون بصفات خاصة منها.أولا:أن يتمتع الإعلامي بخلفية ثقافية تؤهله اختيار الموضوعات والدراسات المناسبة والوقت المناسب لعرضها، ثانيا: المصداقية في كل ما يتم عرضه، ثالثا: الاجتهاد أي عدم الاعتماد على الآخر في نقل الخبر أو في طرح معلومة، رابعا: الابتكار أي الابتعاد عن التقليد بطرح أفكار جديدة واختيار أسلوب جديد لنشر فكر جديد، خامسا: أن يمتلك فن الحوار والالقاء ليجذب المشاهد ويحرك عقله. نأمل بالجيل الإعلامي الجديد أن يتمتع بهذه الصفات وأكثر،وأن يبتعد عن نهج املأ الفراغ.