«تلقيت، يومًا، رسالة من الشاعر الكبير نزار قباني. وجدت في ظرف الرسالة ورقة جميلة مكتوبًا عليها قصيدة شعريّة باللغة العربية الفُصحى مطلعها: أيظن.»
كانت تلك نجاة الصغيرة، أو الصغيرة نجاة، أو أنها بالأحرى كانت بين بين، فقد كانت تبلغ حينها 22 عامًا، عندما كانت تروي استقبالها لقصيدة «أيظُن» من الشاعر نزار قبّاني، تُكمل «أحسست بعد قراءة هذا الشعر، أن هناك كنزًا بين كلمات هذه القصيدة، ولكن العثور عليه كان يتطلب صعوبة كبيرة، ولكني حقيقة لم أتلق القصيدة بارتياحٍ كبير، لأن مفرداتها صعبة ولم يسبق لي أن غنـيت بتلك اللغة، فقدمتها للموسيقار كمال الطويل أسأله عنها وعن إمكانية تلحينها، فأجاب مُستغرباً: إيه ده!.. ومثله فعل الملحن محمد الموجي».
تستأنف «الصغيرة» حديثها، بحسب مقال شمس الدين العجلاني بصحيفة الوطن السوريّة «بالتالي شعرت بأن الموضوع لن يتم، وقررت أن أرسل القصيدة للنشر في إحدى الصحف المصرية، تكريماً لصاحبها الذي أرسلها لي وخصني بها، وبعد نشرها فوجئت بعبد الوهاب يتصل بي ويقرأ لي القصيدة من الصحيفة، وليسألني هل هذه القصيدة لك؟ فقلت له نعم، وكان يريد الاستفسار ما إذا كانت القصيـدة قد مرت علي أو قرأتها، وســردت له ما جرى، فطلب مني أن أراه كي أستـمع إلى لحن الأغنية، كانت حينها الساعة الحادية عشرة صباحاً، وأكد علي أن ألتقيه بعد ساعتين، وفعلاً، حينما ذهبت إليه كان اللحن جاهزاً، وغنيت أيظن للشاعر الكبير نزار قباني وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.. وخرجت الأغنية للحياة لتحقق حضوراً ساحراً في الأغنية العربية».
نزار قبّاني كان دبلوماسيًا حتى عام 1966، حين تفرّغ للكتابة وحدها، ولكن في وقت خروج قصيدته تلك في 1960، على ألحان محمد عبد الوهاب، وبصوت نجاة الصغيرة، لم يكُن متواجدًا، حيث كان يعمل دبلوماسيًا في السفارة السوريّة ببكين، فكيف إذًا يرتضي أن تخرج أولى قصائده المُغنّاه إلى النور دون أن يسمعها أو يكون قريبًا.
بعث «قبّاني» رسالة عتابٍ إلى نجاة يطلب إليها إرسال نسخة من «مولوده الجميل»؛ الأغنية، كي يحتفل بها، فكان مفاد الرسالة «أيتها الصديقة الغالية… لا أزال في آخر الدنيا… أنتظر الشريط الذي يحمل أغنيتنا “أيظن” تعيش في الصحف.. في السهرات وعلى شفاه الأدباء… وفي كل زاوية في الأرض العربية… وأبقى أنا محروما من الأحرف التي أكلت اعصابي… يا لكِ من أمٍ قاسية يا نجاة… أريتِ “المولود” الجميل لكل إنسان وتغنيت بجماله في كل مكان.. وتركتِ أباه يشرب الشاي في بكين، ويحلم بطفلٍ أزرق العينين يعيش مع أمه في القاهرة… لا تضحكي يا نجاة إذا طلبت ممارسة أبوتي، فأنا لا يمكن أن أقنع بتلقّي رسائل التهنئة “بالمولود” دون أن أراه.. فانهضي حالًا لدى وصول رسالتي، وضعي “المولود” في طرد بريد صغير… هنا كنتِ أمًا عن حقٍ وحقيق، أما إذا تمردتِ فسأطلبك إلى بيت الطاعة رغم معرفتي بأنكِ تكرهينه… ».
وصل الرد لنزار، بطردٍ يحمل الأغنية، التي هرع بها إلى مُسجّل السفارة لكنه لم يعمل لمشاكل تقنيّة، فبعث إلى الإذاعة الصينية يستشيرهم في حل، فمكنوه من سماعها على أحد أجهزة استديوهاتهم، فشعر حينها فعلًا بضمّة الأب لأول أبنائه.