شهدت بعض الدول العربية في العام 2011، انتفاضات جماهيرية وثورات عارمة، في كل من تونس ومصر واليمن وسورية وليبيا وغيرها، للإطاحة بأنظمتها الفاسدة والمستبدة والتابعة، ومن أجل الحرية والخير والكرامة الإنسانية، أي تحقيق التغيير الديموقراطي والعدالة الاجتماعية.
وفي البداية ظن البعض أن اسقاط رموز هذه البلدان يكفي لتحقيق مجتمع جديد والتخلص من الهيمنة السياسية والاقتصادية النيوليبرالية الامبريالية، لكن اسقاط الرموز لا يعني اسقاط الأنظمة، التي ليس من مصلحتها تحقيق مصالح هذه الثورات، بل تحمل عداء تاريخياً للشعوب وحركاتها للتحرر.
ولذا شهدت هذه الثورات انحرافات وتشويها، على يد الثورات المضادة والتدخلات الخارجية وتحويل بعضها إلى حرب أهلية مثل ليبيا وسورية، وعودة فلول الأنظمة القديمة وإتاحة الفرصة للقوى الإسلامية الرجعية، للاستيلاء على الحكم بمساعدة الامبريالية والعدو الصهيوني في بعض الدول، والتآمر المستمر على هذه الانتفاضات الشعبية، وخدعت الشعوب بتغيير الوجوه التي قدمت وعوداً بتحقيق أهداف هذه الثورات.
ففي مصر التي أطاح شعبها بحكم الأخوان في ثورة 30 يونيو، والذي أمل بنظام وطني يحقق أهداف ثورتيه، ووضع دستور يضمن الحريات والعدالة الاجتماعية، ويحقق التنمية الذاتية بعيداً عن التبعية للامبريالية، وإقامة نظام ديموقراطي في ظل قانون انتخابي عادل، هذه الجماهير المصرية عزفت عن المشاركة بالانتخابات البرلمانية، ورأت بأن هذا البرلمان لا يمثلها بل يمثل السلطة والنصف في المئة المهيمن على ثروات البلاد، التي تريد الاستمرار في تحميل الكادحين والفئات الشعبية ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وترفض ترشيد الاستيراد وتطلق يد القطاع الخاص، واستخدام السلطة في فرض مزيد من الضرائب على الشعب، هذه السلطة التي تخضع لرجال الأعمال وكبار الرأسماليين، فعطلت تطبيق الحد الأقصى للأجور، في الوقت الذي انهارت معه قيمة الجنيه المصري.
ولذا عزف العديد من المصريين عن المشاركة في الانتخابات، هذا العزوف شكل في معظمه مقاطعة واعية، لأن أغلبية المرشحين لا يعبرون عن مصالح الشعب، ولم تطرح قضاياهم ومطالب ثورتيهم، التي قدموا من أجلها الضحايا والشهداء.
وستستمر مؤامرات الامبريالية على الثورات الشعبية، وطموحها بسيادة الدولة الديموقراطية المدنية، ولكن هذا ليس نهاية المطاف، ولسنا من اليائسين الذين يظنون أن الثورات العربية، غير مستحقة وجاءت في غير أوقاتها، فمن المعروف أن طريق الحرية طويل وشائك، ومن المحتم أن تصل إليه الشعوب التي لن تستسلم.