أول العمود:
حكم محكمة التمييز بتبرئة د. عبدالله النفيسي الذي أكد جواز نقد أعمال الحكومة التي يشارك فيها سمو الأمير يعد تطوراً داعماً لحرية النقد المسؤول.
***
دعيت لحلقة نقاشية حول مشروع قانون الإعلام الإلكتروني نظمتها مجموعة ‘نساء ضد الفساد’ في ٢١ أكتوبر الماضي حضرها عشرون شخصاً تقريباً، ما بين مدوّن وكاتب وصاحب جريدة إلكترونية وخدمة إخبارية وقانونيين ونشطاء سياسيين. كان النقاش مختلفاً نوعياً عن الندوة المهمة التي أدارتها اللجنة التعليمية البرلمانية بين٢٧ و٢٩ أبريل ٢٠١٥ لأن ٩٠٪ لم يوجدوا في الندوة البرلمانية رغم أنهم من أهل الصنعة من الشباب، وهي مختلفة تماما عن الحلقة الترويجية للمشروع في تلفزيون الكويت.
سألخص ملاحظاتي العامة حول هذه المسألة بالآتي:
أولاً، هناك اتفاق عام بين مؤيدي المشروع ومعارضيه في قضية ضرورة التنظيم كمبدأ، لكن الاختلاف حول النصوص، وهو اختلاف مستحق، يتطلب سماع مزيد من الرأي من وزارة الإعلام صاحبة المبادرة، وكذلك أعضاء اللجنة التعليمية البرلمانية التي تشكلت بعد افتتاح دور الانعقاد البرلماني الحالي.
وتدور الاختلافات حول التعريفات الفضفاضة الواردة فيه وكثرتها، والعقوبات والغرامات القاسية لمعظم مريديه من الشبان في وقت تنحو الدولة باتجاه دعم متطلباتهم بعد انزعاجها من وجودهم في ساحات التظاهر.
ثانياً، يجب تحديد الهدف بشكل شفاف من المشروع إن كان بغرض الدعم والتنظيم، وهو ما لا يظهر في مواده بشكل كبير، أم أنه استكمال للنهج الذي جرى في قانوني المطبوعات والمرئي والمسموع وهو التضييق والمراقبة.
ثالثاً، يجب الكف عن تسويق حجج ضعيفة بأن القانون سيقيد شغب المغردين لسبب بسيط، وهو أن هناك من سجن بسبب تغريدات في ظل عدم وجود قانون للإعلام الإلكتروني، فهناك قانون جزاء.
رابعاً، يجب إضافة جرعات تشجيعية وتنظيمية بدلا من سمة التضييق الطاغية في النصوص لأن محاولات مراقبة الفضاء العام تعجز عنه دول أكثر تطوراً، وهي أشبه بعملية تضييع للوقت، خصوصاً مع التوجهات الدولية لإقرار قوانين حق الاطلاع على المعلومة. مثال ذلك استبدال الحصول على الرخصة كشرط للعمل بالإخطار المسبق وتوحيد محظورات النشر في القوانين الأخرى المقروء والمرئي والمسموع وحذف المبهم منها، ورفع جزء من المسؤولية عن مدير الموقع من خلال تخفيف الجزاءات عنه، فهو يتحمل وحده كل المسؤولية حتى مخالفات الكاتب، وكذلك توحيد إجراءات التقاضي بين مخالفة القانون في الصحيفة الورقية ونسختها الإلكترونية، وضرورة حذف الشرط الزمني لتجديد الترخيص.
خامساً، يبدو واضحا اللغط في بعض المواد ومنها الرابعة، فمسؤولو الوزارة يؤكدون أن الحسابات الشخصية خارج نطاق التنظيم، في حين ينص أحد بنودها على شمول الخدمات التجارية بمظلة المشروع، وهو النشاط الذي يمارس في الإنستغرام من بيع وترويج من أفراد، إضافة إلى أن مسؤولة في الوزارة ذكرت في برنامج تلفزيوني أن التراسل بـ’الواتسآب’ مشمول بالقانون! ويمكن للوزارة مراجعة اللقاء للتأكد.
وأخيرا نقول إن رجاحة أي قانون منوطة بتوافقه مع الدستور، لذا من السهل عرض الأمر على مستشاري المجلس الدستوريين، ومن بينهم محمد الفيلي وخليفة الحميدة؛ لبيان هذا الشق المفصلي، ومن الضروري كذلك استكمال اللقاءات مع الشباب والمهتمين والمهنيين في الإعلام الإلكتروني لمعرفة الهواجس عن قرب ومن المصدر، ويجب ألا يغيب عن البال أن التراجع في سجل حرية التعبير في الكويت متواصل سنويا في تقارير دولية لمنظمات عالمية، مثل مراسلون بلا حدود، والشبكة العربية لحقوق الإنسان.
ونقول لمعارضي القانون إن حرية التعبير لا يتحملها المجلس الحالي فقط، بل هي مسؤولية المجالس السابقة حينما وافقت على الصياغة الحالية لقانون المطبوعات والنشر عام ٢٠٠٦ وقانون المرئي والمسموع لعام ٢٠٠٧ ، وسيتحمل المجلس الحالي مسؤولية أي انحراف في صياغة مشروع الإعلام الإلكتروني، ومنها توافقه مع مادتي الدستور ٣٦ و٣٧، وفك الارتباط بينه وبين قوانين شرعها سابقا كهيئة الاتصالات والجرائم الإلكترونية وقوانين الإعلام التقليدي.
التشريع عملية معقده تتطلب مشاورات ولقاءات ودراسة، ونأمل أن يظهر هذا القانون بشكل يبتعد فيه عن الرداءة ليضاف إلى رصيد دولة صغيرة في المحافل الدولية.