لا يختلف اثنان على التطور والنمو الهائل على جميع الأصعدة وفي مختلف المجالات في تركيا عبر قيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة على مدى السنوات السابقة، الا أن الفوز الكاسح للحزب بالمقاعد البرلمانية في الانتخابات المبكرة التي أجريت قبل يومين، ستكون له بلا شك تداعيات كبيرة وواضحة على المنطقة اقليميا، لاسيما على صعيد القضايا الملتهبة وستكون للحكومة الجديدة في تركيا، التي سيتم تشكيلها بأريحية بواسطة الحزب الفائز حزب العدالة والتنمية، مواقفها التي ستغيّر الخارطة السياسية في المنطقة، فتركيا وفي الشهور الأخيرة وبسبب الأوضاع الانتخابية منذ ما قبل يونيو الماضي والذي شهد تراجع حزب العدالة والتنمية عن سطوته على مقاعد البرلمان، وما تلا ذلك من فشل تشكيل حكومة ائتلافية ثم الدعوة لانتخابات مبكرة، تلك الأمور مجتمعة كانت لها آثارها السلبية على الأوضاع في تركيا داخليا وخارجيا، انقسامات حادة داخليا واهتزازات أمنية من خلال عدة تفجيرات ارهابية، ولكن اليوم بعد الانتخابات التي شارك بها أكثر من 86 في المئة من الشعب، تتجه تركيا الى الاستقرار والهدوء.
ولعل النتائج شبه النهائية للانتخابات البرلمانية في تركيا تؤكد بما لا يدع مجالا للشك على تعطش الشعب التركي للاستقرار والأمن، فبعد فرز 99 في المئة من الأصوات حصل حزب العدالة والتنمية على 49.4 في المئة من الأصوات وعلى 316 من مقاعد البرلمان المؤلف من 550 مقعدا، هذه الأغلبية المريحة والتي ستخوله تشكيل الحكومة منفردا، والدالة على مدى قوة الفوز للحزب، ستجعل الحزب ينطلق اقليميا بدعم الرئاسة ممثلا بالرئيس رجب طيب أردوغان، فتركيا اليوم ليست تركيا ما قبل 5 سنوات على سبيل المثال، والوضع الاقليمي مختلف كلياً، وبلاشك ستكون القضية السورية قضية محورية في أولويات تعامل حكومة حزب العدالة والتنمية مع الملفات الخارجية، وان كان التعامل التركي شهد في الآونة الأخيرة «الهدوء» في التعامل مع الملف السوري وتبعاته، الا ان الاستقراء وفقا للنتائج الاخيرة سيدفع بأن تكون هناك مواقف «تركية» أقوى ستتضح تباعا على مدى الأيام المقبلة بعد تشكيل الحكومة بشكل رسمي.
والحقيقة، ان تجربة الانتخابات التركية تجربة ثرية، تستحق الاعجاب من جوانب عدة، وان كانت من نتائجها قيادة حزب الواحد وانفراده بالحكم لمدة طويلة ستبلغ نحو 16 عاما مع فترة الولاية الجديدة هذه، وهي مدة طويلة جدا لا تتناسب مع فكرة تداول السلطة، لكن العذر فيها انها جاءت بالانتخاب الحر المباشر بواسطة الشعب، ووحده الشعب من قرر ذلك، ولعل ما شهدته مواقع التواصل الاجتماعي من تفاعل واسع وكبير ما بين مؤيد ومعارض خصوصا على مستوى دول الوطن العربي، يؤكد مدى تعطش شعوبنا للتجارب البرلمانية الانتخابية الحقيقية، فهذا يؤيد حزب العدالة وذاك يعارضه، ولكن تبقى حقيقة جلية أن الشعوب تأخذ حقوقها كاملة مادامت مُصرة على عدم التخلي عنها في مسيرة نضالها ضد الديكتاتورية والقمع.