عاشت الكويت الأسبوع الماضي دور الانعقاد الرابع لمجلس الأمة (البرلمان) وسط ظروف خاصة تتعلق بتصحيح المسيرة الديمقراطية التي طغت عليها في الفترة الماضية قضية الاستجوابات ومحاولات تعطيل العمل من بعض الفئات التي تخضع لأجندات لا تحقق مصلحة هذا البلد العربي.
وبينما يرى بعض الكتاب الكويتيين ضرورة أن يركز المجلس على هموم المواطنين ويبتعد عن إثارة النعرات الخاصة التي تُبعد المجلس عن دوره الحضاري (ماجد أبورمية، «الأنباء»/ 27/11/2015)، يرى آخرون أن مسألة الاستجوابات قد أخذت منحى حادَ بها عن أهدافها (حسن العيسى، «الجريدة»/ 27/10/2015).
لا بأس في سماع كل الأصوات في بلد يطبق الديمقراطية، على أن مصلحة البلد يجب أن تبقى فوق الجميع، وأن الحفاظ على الوحدة الوطنية في ظل الدستور يظل من أهم ملامح المرحلة المقبلة.
وفي كلمته في افتتاح دور الانعقاد الرابع لمجلس الأمة، أكد أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد على أهمية وجود كويت آمنة مستقرة «ينعم أهلها بالحرية والتراحم، وسط محيط تستعر فيه الحروب الأهلية والصراعات الطائفية والعرقية». وتلك إشارة واضحة لأهمية وحدة الشعب الكويتي بكافة فئاته، خصوصاً بعد اكتشاف كميات كبيرة من الأسلحة تم إدخالها بصورة غير مشروعة إلى البلاد، وهي تتبع لجهات لا تريد للكويت خيراً. وشدد الأمير على موضوع الوحدة الوطنية: «لن نسمح أبداً بإثارة الفتن والبغضاء أو العزف على أوتار الطائفية البغيضة، أو استغلال النزعات القبلية والفئوية والعرقية والطبقية». هذا التشديد يشير إلى وجود اتجاه لدى البعض لجر البلاد نحو انقسامات فئوية لم تعرفها سابقاً، بغية شق الصف الكويتي وإدخال الكويت في مدارات لا تفيد شعبها.
وفي الجلسة ذاتها تحدث رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، وأكد في كلمته ما ذهب إليه الأمير من ضرورة «الترفع عن الأصوات النشاز، وعدم الانجرار وراء تجار الشغب حمالي الحطب الذين يريدونها فتنة لا تُبقي ولا تذر». وشدد الغانم على ضرورة قيام الحكومة بتطبيق القانون على من تثبت إدانته أو مشاركته في جريمة مسجد الصادق، وأن تلك «جولة أخرى في حرب لم تنل من هويتنا ووحدتنا في زمن ليس ببعيد وعن درسه لا يجب أن نغفل أو نحيد».
وتناول رئيس مجلس الأمة القضايا التي تواجهها الكويت، بدءاً من الإرهاب، مروراً بالحروب الإقليمية المشتعلة، وصولا إلى الأزمة المالية وضرورة الخروج من منطق الدولة الريعية وابتكار الحلول «ليبقى الوطن قبل القبيلة، ويبقى الدين فوق الطائفة، وتبقى الكويت دولة حرة لشعب أبيّ».
ونلاحظ وجود تطابق واضح في الكلمات التي ألقيت في الجلسة من قبل أمير البلاد، ورئيس مجلس الأمة، ورئيس مجلس الوزراء، وأن ثمة حرصاً شديداً على التلاحم الوطني، وعلى رفض النزعات الطائفية، وعلى ضرورة إحلال التفاهم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعلى الخروج من ثقافة إلقاء التهم على أي من الفريقين.. مما يقيل التنمية الشاملة التي ينشدها الشعب الكويتي من عثرتها، ويساعد على «مضاعفة العمل وحسن استثمار موارد الدولة»، كما جاء على لسان رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الصباح.
جلسة مكاشفة ومصارحة تبدّت خلالها ملامح المسيرة الديمقراطية لدولة الكويت، واتضح أن الحكمة تقتضي أن يعمل كل الشعب الكويتي من أجل الحفاظ على مكتسباته، ومنها نعمة الأمن، دون أن يلقوا بذلك على الدولة وحدها، وأن تصفو النيات للنهوض بالبلاد وتحقيق آمال أبنائها في ظل الديمقراطية في إطار دستور عتيد يحفظ لكل المواطنين حقوقهم وكرامتهم.