في إحدى ليالي الشتاء بالمرحلة الابتدائيّة، كنت أتدثّر بغطاءٍ ثقيل من الصوف، وكتاب الدراسات الاجتماعيّة، وكُنت كطفلٍ في عِقده الأول أُكرر تلك الجُملة التي سأكتبها في امتحان الغد ما إن وجدت سؤالًا يتعلق بها؛ «المناخ في مصر يتميّز بأنه حارٌ جاف صيفًا، مُعتدل مُمطر شتاءً»، ولم أدرِ أبدًا ما التفسير وراء تلك الجُملة، التي كانت تتكرر في سنواتٍ دراسيةٍ تالية، وأنا لا زلتُ أرددها كالـ«زومبي» في كُل ليلة امتحان.
«هل أدّى تغيّر المُناخ إلى سقوط مصر الفرعونية؟»، سؤالٌ طرحته «ديلي ميل» في تقريرٍ أعدته حول دور تغير المُناخ في وضع الخطوة الأولى للمملكة الفرعونيّة القديمة على مُنحدر السقوط، والأسرار التي جمعتها من عينات تعود لدولة ما قبل 3 آلاف عام.
الدراسة أشارت إلى أن الامبراطورية الفرعونية وصلت إلى مشارف الانهيار تبعًا لتغيرات أصابت مواردها الغذائيّة وبنيتها التحتيّة، مع نظريات لعلماء حول أسباب ذلك بين الحروب ومجاعات أو أوبئة.
العلماء من جامعة كورنيل اعتمدوا على عينة خشبية من مركب جنائزي في منطقة هرم سيزوستريس الثالث، والتي أوضحت تغير مناخي شديد، حيث ظهر شذوذ واضح في مراحل النمو ما يؤرخ لمرحلة جفافٍ مرت بها مصر في فترة 2200 قبل الميلاد، بعد إجراء الفحص بالكربون لمعرفة التاريخ.
لا نعرف ما إذا كانت مصر على أعتاب مواجهة أخرى مع ما أدى لسقوطها قبل 3 آلاف عام أم لا، لكن الواضح أن إنذارات الخطر فيما يخص المناخ تقرع أجراسها في العالم أجمع، وفيما يخص مصر على وجه الخصوص، ويبدو أنه علينا التخلص من الأسطورة التي وصلت حد التمتمة غير الواعية «حار جاف صيفًا، مُعتدل مُمطر شتاءً»، لأنه بالأحرى الوضع يُصبح كارثيًا فيما وراء تلك الجُملة ونحن لا ندري.
في 2013 نشر البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة تقريرًا أُعد بالتعاون مع الحكومة المصرية، حول تأثير التغير المناخي على الاقتصاد في مصر، على المدى المتوسط في 2030 والبعيد في 2060، وكانت نتائجه كالتالي؛ انخفاض الانتاج الزراعي من 8 إلى 47%، مع انخفاض العمالة الزراعية بمعدل 39%، فيما تصل الخسائر الزراعية في 2060 من 40 حتى 234 مليار جنيه، بينما قد تصل قيمة الملكيات بدلتا النيل من 7 إلى 16 مليار جنيه للوحدة.
كما أشار التقرير إلى أن الوفيات نتيجة الزيادة الحرارية المُتصاعدة، سيصل من ألفين حتى 5 آلاف شخص في العام، بخسائر نقدية قد تصل إلى 48 مليار جنيه مصري كل عام.
في قمة الأمم المتحدة للمناخ في 2011، تحدث محرر «جارديان» إلى جاي روبنز، باحث كندي، وعالم مياه في القاهرة، وسرد عن الخطر الذي ينتظر ساحل البحر المتوسط، وما سيحل بالمُدن الساحلية من غمرٍ بالمياه مع قدوم منتصف القرن الحالي، وقال أنه من الممكن بحلول ذلك الوقت، ستصبح الأسكندرية –المدينة الثانية في مصر- مجرد جزيرة يربطها جسر بباقي البلاد، لكنه أيضًا يعتقد أن دولة بحجم مصر لن تدخر جهدًا أو مالًا في مواجهة ذلك –حسبما قال.
الأمطار التي سببت غرق الأسكندرية منذ أيام، والتي تتكرر حاليًا، ولا نعلم ماذا يُخبيء لنا الشتاء بعد، قد تكون جرس إنذارٍ عمّا يُخبئه لنا تطرّف المناخ في السنوات القادمة، الواقع أصبح بعيدًا عن أسطورة كُتب الدراسات الاجتماعيّة، لذا فالانتباه إلى أجراس الخطر أو الموت تحت عجلاته.