بات ما نراه من حوادث وظواهر غريبة، وبالذات ظاهرة العنف اللفظي والحركي والدموي، أمرا صعبا تحمّله.
هناك ميل غريب للعنف والعداوة والتباغض، لم يكن سائدا فيما مضى من عقود.
بات الكثير من الناس كأنهم أعواد ثقاب أو زيت سريع الاشتعال، حتى المجتمعات التي عُرف أهلها بسمات الهدوء والعقلانية والأناة، تغيرت فيها تلك الصفات، وصارت تميل الى العنف وسريعة الغضب وسهلة الاستفزاز.
وفي ظني أن هذا التحول في السلوك البشري والميل الى العنف وسرعة الغضب، ناجم مما يراه الناس على شاشات التلفزيونات وبالذات الفضائيات الاخبارية من مشاهد العنف التي تجري في بقاع معينة محدودة جغرافيا، ولكن بثها على الشاشات يساهم في زيادة رقعتها الجغرافية وأعداد المندمجين فيها. فحتى النفس الطيبة الكارهة للعنف والقتل والميالة الى الهدوء والسكينة، قد تتحول الى شريرة وعنيفة اذا ما توالت أمامها مشاهد العنف والقتل والذبح وجريان الدماء.
يصبح هناك ما يشبه التطبيع والتجانس والاعتيادية مع تكرار المشاهدة والمداومة على المتابعة، فالطبيب الجراح قد يغمى عليه في أول مرة يرى فيها المشرط يتحرك تقطيعا في اللحم الآدمي، ولكن مع التكرار، يصير هو من يمسك بالمشرط ويفعل الفعل الذي كان يخيفه ويفقده وعيه في زمن مضى.
لست مخبولا ولست بساذج لأطالب الفضائيات بالكف عن نشر أفلام الرعب الحي التي تبثها، وهي التي تعتاش عليها وتمثل لها مثل هذه الأخبار والأفلام المروعة مصدر رزقها وتملأ ماعونها بالدراهم والدنانير، ولكنما أطالب الناس بالكف عن متابعة صور الشر والدمار، لأنهم على المدى البعيد أو الأوسط أو حتى القريب، سيصبحون هم جزءا من تلك الأحداث وفاعلين فيها، وهذا هو ما حدث ويحدث الآن في كثير من المجتمعات إن لم يكن كلها.
قد تصدق مقولة «إن الانسان فُطر على الخير» ولكن بشرط أن تهيأ له التربة الصالحة لإنبات هذا الخير ونموه وازدهاره، أما إن هُيّئت له تربة مبذورة بالشرور، فإنه حتما سيتحول الى شرير، ليودع ما فُطر عليه ويتحول الى جادة الشر بعدما كان هانئا مرتاح البال في طريق الخير.