هل تتذكرون موضوع الأمانة الذي كتبنا عنه مقالات كثيرة، وقلت في أكثر من مقالة إنني سأقول شيئا عظيما في موضوع الأمانة التي في قوله تعالى» إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا «الآية» وقد عددت في تلك المقالات عددا مهما من آراء كبار علماء الإسلام في شرح معنى الأمانة، وقد قالوا عنها كلاما متشابها أو متفقاً أو مختلفا، ولم أقل خلال بحثي المقالي ذاك، وهذا الرأي الذي صبرت عن قوله اشهر عدة بهدف انتظار استعراض أكبر قدر من أراء العلماء وبسبب الكتابة في مواضيع الحدث والساعة، وإذا كان بعضنا قد نسي أن أختم ذاك الرأي في تفسير هذه الآية العظيمة والعجيبة ككل آيِ القرآن، فإنني لم أنس أن أكتب هذا الرأي وأقوله بعد كل هذه الفترة من الزمن… وقد قال العلماء في عرضها على السموات والأرض والجبال كلاما كثيرا مابين الحقيقة والمجاز وتحدثوا عن مخاطبة الله للجماد مثل السماوات والأرض والجبال كيف خاطبها الله سبحانه وتعالى! وكيف ردت ! هل جعل لها لسانا موقتا فردت أم أن الموضوع مجازي؟
كل هذا كتبت عنه مطولا ومختصرا أيضا. وأقول اليوم بعد كل ذلك الاستعراض وهذا إن أهم أمانة يمكن أن يحملها الإنسان هي «أمانة الدعوة» الدعوة للإيمان بالله وتوحيده، فكل أمانة بعد هذه الأمانة قد تصغر وقد تهون. فما يدخل الإنسان الجنة أو يدخله النار هو التوحيد لله أو الكفر به، فمن عرف الإيمان وتبينت له أدلته فقد حمله الله الأمانة العظمى بتبليغ الناس الإيمان بالله وتوحيده وتصديق الرسل الذين أرسلهم الله والإيمان بالكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى والإيمان بوجود الملائكة ووجود اليوم الآخر والجنة والنار والحساب والحياة بعد الممات، وما أخبرت به الكتب السماوية من أمور الغيب ومن الموضوعات بأنها من عند الله كما آمن بها النبي محمد «صلى الله عليه وسلم» وكما آمنت بها الأنبياء والرسل» قال تعالى:» آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لانفرق بين أحد من رسله، وقالوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير».
وكيف تستطيع السماوات وهي ماهي من الكواكب والنجوم والسدم والأفلاك أن توصل للبشر كل هذا فهو فوق طاقة خلقها، وكيف تستطيع الأرض أن تفعل هذا وقد هيأها لسكن الإنسان والحيوان والطير والجان، وجعلها للبحار والأشجار والأنهار، وما هي عليه من خلقة،كيف تستطيع أن تحمل تلك الرسالة العظيمة وخلقها لا يسمح لها بهذا، وكذلك حال الجبال فهي مكلفة بحفظ توازن الأرض في حركتها وثباتها ودورانها، وغير ذلك من حركة الهواء وتوزيعها كما يفعل مهندسو التكييف حيث لا ينفخ الهواء دفعة واحدة فتكون العواصف والأعاصير وقد رأيتم بعض الأعاصير التي تسبب بها هدم بعض الجبال « وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بكم» كي لا تضطرب بكم وقد أشفقت السماوات والأرض والجبال من تبعة حمل هذه الأمانة وأظن أن واقع حالها ومهماتها تنطق بأن حمل الأمانة بهذا المعنى الذي ذكرته أو المعنى العام للأمانه لهو أشد من مهماتها المكلفة بها رغم عظمة ما كلفت به.
فهل هذا المعنى الذي قلته الآن في موضوع المقصود بالأمانة أعظم أم هو بعض ماقاله بعض المفسرين من معان؟ أيهما أعظم أن تشفق منه السماوات والأرض والجبال أمانة حمل رسالة الدعوة للناس، أم هو الغسل من الجنابة الذي قال به بعض المفسرين وماشابه ذلك في تفسيرها؟ أقول لقد قلت بهذا المعنى بعد النظر في كل تلك المعاني والله أعلم بمراده، وأستغفر الله من الزلل.
إلى اللقاء