يزداد النقاش والجدل في أروقة منظمة اليونسكو حول ما تشهده المنطقة العربية من نزاعات ثقافية ومحاولات تدمير التراث الإنساني. وتحاول المنظمة أن تحد من تصاعد وتيرة التوتر وإيجاد بدائل إنسانية لحل النزاعات، عبر تأكيد أهمية التعايش الثقافي بين البشر كافة، وأهمية قبول الآخر، واحترام التعددية الثقافية كوسيلة حضارية تضمن الأمن الإنساني.
البعض يرى أن تصاعد حدة التوتر لم يعد محصوراً في منطقة جغرافية محددة، وإنما سمة عالمية جلبتها العولمة. وتيار آخر يرى الانتكاسة الإنسانية ليس مصدرها العولمة لكونها قاربت بين الثقافات، وإنما الخوف المشترك من سطوة التكنولوجيا التي حولت معالم الحياة واقتحمت حياتنا الاجتماعية.
ويظل النقاش حول أهمية إيجاد وسائل التفاهم بين البشر. وما يقلق المنظمة على سبيل المثال اتساع الهوة بين أبناء الثقافة الواحدة كما يحدث في العالم الإسلامي، حيث تشتد النزاعات المذهبية والإثنية، وإن كانت ليست مقتصرة على الثقافة العربية والإسلامية، حيث شهدت بعض من مناطق أوروبا الشرقية نزاعات شبيهة بما يحدث بين العرب أو المسلمين. فالظاهرة ربما تتسم بالصبغة العالمية مما أدى إلى مضاعفة الجهود التي تقوم بها منظمة اليونسكو لدرء هذه الصراعات والحد من توسعها. وضمن هذا السياق توجه التفكير في محاولات فهم أسباب انتشار ظاهرة العنف، ووضعت تصورات كان من ضمنها تراجع نسبة دروس الإنسانيات في المناهج التعليمية وسطوة الجوانب العلمية البحتة والتقنية مما يعتبره البعض تراجعاً جاء كسبب في خلل البناء القيمي والأخلاقي للطالب، أو ما يوصف بضعف بناء الشخصية وتفريغها من جوانبها الإنسانية، وهي فرضية تحاول المنظمة فحصها على أرض الواقع.
الدراسة لم تطبق على أرض الواقع كونها انطلقت من ما يحدث في المنطقة العربية، وعندما عُرضت على بعض المختصين، ومن ضمنهم كاتب المقال، كان هناك تفهم للفرضية إلا أن حصرها في المنطقة العربية يشكل نقطة اختلاف لكون التراجع في تعليم الإنسانيات اعتبرناه ظاهرة عالمية، وخصوصاً لأن بعض الصحف الأميركية مثل «واشنطن بوست» كتبت مقالة مطولة لتحليل التراجع في الجوانب الإنسانية، وأشارت إلى أنها ظاهرة عالمية مست معظم المناهج العالمية حيث كانت موجة تصاعد التقنية والاكتشافات السريعة في جوانب التواصل الاجتماعي والمعلومات سببت هذا الاهتزاز الكبير في البناء الأخلاقي لقطاعات واسعة من شباب العالم.
يبدو أن الظاهرة عالمية والمعاناة كبيرة. إلا أن القضية ليست نتيجة لأزمة القيم الثقافية، وإنما هي أزمة في كيفية نقل هذه القيم الضابطة للسلوك الإنساني، فهناك تفاوت ونوع من الضياع في كيفية نقل هذه القيم والمؤسسات المعنية بها. ونتيجة لحالة التشتت، أدى ذلك إلى ما يعرف بحالة الصراع بين الثقافات الإنسانية، وتصاعد وتيرة التوتر الثقافي سواء بين الثقافات أو الثقافة الواحدة. عالم اليوم يعيش حالة انفتاح كبير بفضل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي هذا التواصل يجب أن يقود إلى مزيد من الاحترام للقيم الثقافية المختلفة وليس لصراعها الذي نشهده في كثير من المجتمعات الإنسانية.
ربما في الحالة العربية، نجزم بأن الأزمة لها خصوصيتها لكون التعليم بمجمله لا يؤدي وظيفة البناء الأخلاقي للشخصية بقدر ما ينظر له كوسيلة لدخول سوق العمل بمعنى: تعليم موجه نحو التوظيف وليس توسيع مدارك الشباب، كما أن التعليم ما زال لا يجد الأولوية لدى صانعي القرار في دوره في تهذيب السلوك الإنساني، مما أدى إلى تصاعد حالة الضياع العامة، التي يعاني منها الشباب.
فالأزمة العربية لها خصوصيتها، والحل يكمن في كيفية إخضاع التعليم لعملية تقييم عامة، نحدد فيها الأهداف التي نشهدها، هذا إذا كانت هناك رؤية متفق عليها.