بلا قناع – الدستور والرقيب
صالح الشايجي
يضج المهتمون بالثقافة والأدب هذه الأيام، من تشديد الرقابة على الكتب المشاركة في معرض الكتاب لهذا العام.
ومما قرأت في هذا الشأن، أمور تدعو فعلا الى الأسف على حال تغول ما يسمّى الرقابة وتسلطها على أفكار الناس وتدخّلها فيما يكتب المبدعون وما يقرأ القراء.
هذا النوع من الوصاية هو ديكتاتورية مغلّفة وهو تسلط لا مبرر له، لأن الناس أحرار فيما يكتبون وما يقرأون، وليس من شأن الدولة بأيٍّ من صفاتها وأجهزتها، التحكم في عقول الناس وتعطيل تنمية مواهبهم الكتابية، أو تقرير ما يقرأون، ووضع حاجز لثقافتهم يمنع تجاوزه.
لا أدري هل هذا ما تهدف إليه الدولة؟ وهل الدولة ـ فعلا ـ تقصد أن تبقى ثقافة الناس محدودة وتمنع عنهم التوسع فيها؟
أما السؤال الأهم، فهو هل هذه فعلا سياسة الدولة ورغبتها، أم أنها اجتهادات موظفين صغرت وظائفهم أو كبرت؟
أخشى ما أخشاه أن تكون الدولة أو فلنقل الحكومة، بعيدة كل البعد عما يجري، وما يجري أمر عظيم، فيه هدر لكرامات الناس، واستلاب لحقوقهم، وتحكم قميء وبشع في أحجام قاماتهم المعرفية.
ومجزرة الكتب هذه ليست جديدة علينا، بل إنها تتكرر كل عام متزامنة مع معرض الكتاب، ولكن يبدو أنها هذا العام اتخذت شكلا أكثر تغوّلا واستبدادية وتحقيرا للناس، فضج الناس وعقدوا الندوات احتجاجا على سد المنبع الثقافي والمعرفي ومحاولة إفشال معرض الكتاب في الكويت وهو من أوائل معارض الكتب في الدول العربية وأعرقها، وكان أكثرها انفتاحا وتنوعا في الأفكار التي تضمها الكتب المعروضة فيه.
وأذكر في الثمانينيات مثلا ومن أكثر من ثلاثين سنة، كان أصدقاء من دول مجاورة يأتون الى الكويت، لاقتناء الكتب من معرض الكتاب، وذلك لصعوبة حصولهم عليها في بلدانهم. وكانت جميع دور النشر تقريبا تشارك في معرض الكتاب في الكويت لرحابة صدر الكويت وقبولها لجميع الأفكار دون رفض لهذا وتقريب لذاك.
هذه المسؤولية تقع تحت سلطة وزير الإعلام الذي يحتّم عليه واجبه الوظيفي وقبله الوطني التدخّل، حماية لسمعة الكويت الثقافية، ودفاعا عن حقوق الناس في الزاد الثقافي والمعرفي، لأن تفشي الجهل بين الناس يهدم الأوطان ولا يبنيها. وتلك بديهة لا تغيب عن بال وزير الإعلام والجهات المسؤولة. أما إن بقي الحال على ما هو عليه، فمن الأولى إلغاء معرض الكتاب حفاظا على سمعة الحريات في الكويت والتي كفلها الدستور وألغاها الرقيب!!