نقطة من أول السطر – عودة ‘الداو’ للسطح لينسونا قضايانا
علي الفضالة
أتعرفون ما أفضل طريقة ووسيلة لإلهاء الآخرين عن القضايا والأمور التي تهمهم والتي تحقق لهم مصالحهم وتنقلهم إلى عالم الرفاهية والاستقرار والأمن والأمان؟
إنها طريقة سهلة جدا، فقط عليك بإثارة موضوع رنان، وذي صدى واسع في جميع الأركان، ومناقشته في كل محفل ومكان، وترديده على كل لسان، وإعطائه أكبر من حجمه في الميدان!
وهذا بالضبط ما يحدث لدينا في الكويت، فإذا ما طرح أي موضوع تنموي، أو إذا ما تمت مناقشة أي قضية تمس مصلحة البلد.. ولم تعجب المتلقين لها، وما أكثرهم! يبدأ اللف والدوران حول «مشروع أو قضية الداو» وكأنها الشاغل والهم الأكبر الذي لا نستطيع أن ندير أو ندبر أمور الدولة من غير مناقشته، وتبدأ معها سلسلة من الأسئلة، ويبدأ معها سيل من التهكم وإلقاء اللوم! فمن المسؤول؟ ومن المستفيد؟ ومن الذي يجب أن يحاسب؟ وكيف تتم محاسبته؟
فها هي الحكومة تلقي باللوم على أعضاء مجلس الأمة المنحل، لأنهم كما تظن السبب في إلغاء العقد بسبب الضغوط عليها من قبلهم كون الحكومة لم تبلغهم مسبقا بالصفقة قبل إبرامها!
أما النواب فيلقون باللوم على شركة PIC لأنها وقعت على عقد كهذا دون النظر للشروط الجزائية ومدى تأثيرها على اقتصاد الدولة وتسببها في ضياع وهدر المال العام!
أما الشعب فقصته قصة! يناقش الموضوع في كل مكان وزمان، في الديوانيات، في مكان عمله، في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى مع أهله في البيت! ولا ينسى أن يضيف كمية لا بأس بها من البهارات عليه، حتى ينظر إليه الجميع نظرة المتمرس السياسي والاقتصادي المتابع لشؤون بلده.. العارف بكل صغيرة وكبيرة فيه! ولا يدري أن شؤونه قد ضاعت مع هذه الصفقة! فأعضاء مجلس الأمة لم يعودوا يستغلون جلساتهم في مناقشة أمور وقضايا الشعب، بل أصبح همهم الأكبر الوصول لحقيقة هذه الصفقة وكشف المتسببين فيها ومعاقبتهم قضائيا وسياسيا، مع أن المطالبة بمحاسبة المسؤولين قد لا تجدي نفعا، فلن ترجع الأموال التي قدمتها الدولة كتعويض لإلغاء هذا العقد (2 مليار تقريبا)! ولن يدفع المتسببين في هذه الكارثة فلسا أحمر! إلا أنها فقط ستحل لنا خيوط هذه القضية المتشابكة وتكشفها لنا بشكل متكامل من جميع أبعادها.
لذا فمن الواجب علينا كشعب ألا نعطي المجال لغيرنا حتى يتجاهلنا ويركننا على الرف ويتابع قضايا أخرى، علينا أن نستفيد من أخطائنا.. لا أن نتباكى عليها، علينا أن نعيد النظر في كل مؤسساتنا وهيئاتنا الحكومية والخاصة، علينا أن نذكر أعضاء مجلس الأمة بأن هناك قضايا عالقة تحتاج إلى بحث ودراسة وتنفيذ.
لذا عليها التوقف عن إثارة قضايا مثل (قضية الداو)، والتي أجد أن الغرض من إثارتها التكسب السياسي فقط! علينا كشعب أن نثير القضايا والمواضيع التي تهمنا، وتمس واقعنا ومجتمعنا..
فهل الوضع الصحي مستقر؟ وذو إمكانيات طبية عالية؟ هل التعليم يتماشى مع الواقع وتتناسب مخرجاته مع سوق العمل؟
هل قضايا مثل الإسكان، البلدية، الشؤون، الخريجين، العمالة الوافدة، وغيرها لا تحتاج إلى إعادة النظر فيها وإيجاد الحلول المناسبة لها وسرعة تنفيذها؟
هل المؤسسات والهيئات الحكومية تدار بصورة صحيحة وسليمة؟ هل المشاريع التي تنفذ في الدولة.. تنفذ وفق معايير ودراسات مقننة ومدروسة تتناسب مع حاجة الدولة وإمكانياتها؟ وهل القائمون على إدارة مثل هذه المؤسسات والمشاريع أهل وكفء لذلك؟ أم تلعب لغة الأرقام دورا فيها؟
هناك أمور مهمة عالقة على السطح وأهم من تلك التي نتداولها، فها نحن نخسر الخسارة تلو الخسارة ولا نتعظ، الناقلات.. الداو.. محطة الزور!
وغيرها.. وغيرها !!
فقط كل همنا أن نتراشق بالكلام، وأن ندور بين المحاكم ونغرق في القضايا، أما أمور البلد فنتركها دون مراقبة ولا متابعة ولا تقييم،
لأننا مشغولون بأمور أخرى، وهكذا تدور بنا الحياة، حتى تقع الفأس بالرأس، وتبدأ حكاية أخرى من الاستجوابات والقضايا، وساعتها نضرب أخماسا بأسداس ونلوم أنفسنا، وقتها.. فقط.. لن ينفع الندم!