الرئيسية / كتاب وآراء / الحروب والغزوات أصبحت بالوكالة وبالفتنة وليس بالجيوش فقط.. كما يرى علي البداح

الحروب والغزوات أصبحت بالوكالة وبالفتنة وليس بالجيوش فقط.. كما يرى علي البداح

لو نظرنا إلى عدد المرات التي تغير فيها وجه العالم، وكم من الإمبراطوريات نمت وتوسعت وقتلت واستعمرت وأطلقت مسميات على خريطة العالم ثم زالت، وجاءت قوى أخرى وعلى مدى التاريخ لم يهدأ العالم، ولم تثبت خرائطه على شكل واحد. نشأت ممالك وأمصار على يد الإمبراطوريات والغزاة سواء في العصور القديمة أو الوسطى أو الحديثة، ومرت بنا غزوات الرومان والإغريق والبرتغال والإنكليز والفرنسيين والطليان والألمان والتتار والمغول وغيرهم، وجاؤوا بخيولهم وسفنهم ورجالهم، ثم جاؤوا بطياراتهم ودباباتهم واستعمرونا، ثم قسمونا وما زالوا يمتلكون مقدراتنا بالسياسة والسيطرة والإذلال والتحكم في ثروات بلادنا العربية. فعلوا هذا بنا قبل الإسلام وقبل أن نغزوا بلادهم، وحين حكم العثمانيون الأتراك احتلوا عددا من بلاد الغرب وأروهم الذل والهوان، كما فعل السابقون الذين اكتسحوا بلادنا فزاد غضب العالم علينا، ورأينا منذ زوال الحكم العثماني الويلات ولا نزال.
في القديم كانت القوة العضلية هي سلاح القوات الغازية، ثم ظهرت السيوف والرماح والسهام، كانوا يغزون رجالا وعلى كل ضامر، وعبروا البحار على متن سفن شراعية، وعبروا الجبال بعربات تجرها الجمال والفيلة والبغال والخيول، وأخذت وسائل التدمير تتطور عبر العصور إلى أن وصلنا إلى عصر الذرّة، ورأينا لأول مرة أن قنبلة واحدة يمكن أن تزيل مدينة من الوجود، وتبقى آثارها تشوه بشرا على بعد عشرات الأميال من تلك المدينة ولسنوات طويلة.
ووصلنا إلى عصر أصبحت الحروب والغزوات بالوكالة وبالفتنة، ولم يعد الأقوياء بحاجة لإرسال الجيوش والعتاد للغزو أو تحقيق مقاصد الحروب المباشرة، فأصبح لكل دولة من الدول العظمى مرتزقتها ووكالات خاصة تستأجرها لتحقيق ما تريد دون أن تخسر جنديا واحدا، واكتشفوا أننا نملك من أسلحة الدمار الداخلية ما يغنيهم عن أي خسارة في الرجال والمال والسلاح.
وجدوا أننا منقسمون ومتحزبون ومختلفون لدرجة أن كلمة هنا وكلمة هناك يمكن أن تشعل نارا لا تنطفئ، واستغلوا هذا الانقسام أسوأ استغلال، واختاروا مجموعات تسيطر عليها أحلام وأوهام وجهل، فجندوها باسم الدين والعرق ووعدوهم بالمال والحكم والجنة، ثم شغلوا الحكام بأنفسهم وخلقوا لهم في كل مناسبة وكل حين بعبعا يطيّر النوم من أعينهم، ويجعلهم يرتمون في أحضان أعدائهم يطلبون منهم الحماية والرعاية، فيردون عليهم بأننا أقسمنا ألا نرسل جنديا واحدا خارج حدودنا، ولكننا على استعداد لتزويدكم بالسلاح من كل الأنواع، وندربكم على استخداماته وتكفلوا بالدفاع عن أنفسكم.
نعم أنتم في خطر إن أعداءكم كثيرون يتربصون بكم، نعم غيركم أقوى منكم وبالذات هؤلاء الإرهابيون الذين يعيثون في الأرض فسادا وبالذات جيرانكم، ولكننا لن نتدخل وقد وعدنا شعوبنا ألا يموت جندي واحد من جنودنا خارج الوطن، فاشتروا ما تريدون من السلاح، واكنزوا ما تحتاجون وما لا تحتاجون، فمصانع سلاحنا ترحب بكم في أي وقت لكن عليكم الدفاع عن أنفسكم من أنفسكم بأنفسكم.
هذه اللعبة أعجبت بقية الدول، ويبدو لي أن معظم دول القوى الكبرى بدأت تتنافس على استخدام الحرب بالوكالة، وأنها خشيت أن يستفرد طرف واحد أو أقلية بخيرات هذه المنطقة أو مستقبلها الذي يرسم لها لإحكام السيطرة عليه، وبدأت كل دولة أو مجموعة دول تتدخل بهذا الأسلوب للاستفادة مما يجري، كل يبحث عن حصة ‘سايكس بيكو’ بأسلوب عصري لئيم.
سيقتسمون سورية والعراق وليبيا ويطردون من يسمونهم الإرهابيين إلى الجزيرة العربية، ثم تبدأ جولة أخرى لتقسيم الجزيرة العربية ثم يتفرغون لإيران؛ لذلك لا بد أن نستخدم عقولنا وقبل فوات الأوان، ولا بد من إزالة العقد بين الدول العربية وإيران، ولا بد من دور أكبر لمصر واجتماع بين الدول العربية وإيران لمواجهة هذا المخطط، ولا بد من وقفة حياة وعدم الاستماع لابتزاز الدول العظمى وتخويفنا من بعضنا، ولا بد أن نكشف هذا الملعوب ونعرف مداه ومراميه ولا ننصت للأصوات النشاز وتجار السلاح الذين يزيدون الفرقة ولا يهمهم لو تدمرت المنطقة برمتها.
فهل نعي ما يحدث؟

عن ALHAKEA

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*