بسم الله الرحمن الرحيم
الاعتبارات التي تفرضها تقدم التقانة العسكرية على الدول المستوردة للسلاح
الكويت نموذجاً ــــ دراسة
متى نعي ونستفيد من الدروس التي مررنا بها ؟! ان أزمة الاحتلال الغاشم بالتأكيد قد تمخضت عن الكثير من الدروس… ولعلنا تجاوزنا السؤال الذي تردد كثيراً ‘هل استفدنا من التجربة؟’ لنسائل أنفسنا متى نعي ونستفيد من الدروس التي مررنا بها؟! فالاحتلال كان بسبب الإخفاق في مواجهة الحقائق والتفريط والسلبية من المواطن قبل المسئول في تحمل المسئوليات تجاه الوطن، لذلك لابد من ممارسة المتابعة والنصح بروح المسئولية ومحاربة الفساد والعبث بمقدرات الوطن تجنباً لتكرار المأساة مرة أخرى لا سمح الله، وبمناسبة التوجه للسحب من الاحتياط المالي للدولة مبالغ تكاد تلامس السبعة مليار دينار لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية، وعلى الرغم من الغموض والتكتم الشديد على هذه الصفقة محليا على الرغم من تفاصيلها المتداولة في الانترنت سواء بالمواقع المختصة بالدفاع او تلك التي تهتم بالاقتصاد ناهيك عن كثرة تداول الصفقة ومدى جدواها في المجتمع وديوانياته وليس اقل ذلك افتتاحية جريدة يومية مهمة وتقرير مكتب اقتصادي لا يقل اهمية يهاجمان وبشكل مباشر التوجه لعقد الصفقة…، ومع ذلك استمر الغموض سيد الموقف! وللمساهمة في جلاء الصورة ــ بشكل موضوعي ــ دعونا نستعرض الموضوع بشكل عام بعيدا عن التفاصيل الكثيرة التي قد لا يتسع المجال لذكرها في هذه العجالة.
الأمن الوطني الشامل: يجب ان تقوم سياسة الدولة الدفاعية على منظومة متسلسلة تتكون حلقاتها المترابطة من التوازن الاجتماعي والتعليمي والصحي والاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري، حيث ان قوة الأمة تتمثل بقوة ترابط هذه السلسلة التي لا تتجاوز قوة أضعف حلقة فيها، لذلك من الواجب مراعاة توازن قوة هذه السلسلة فلا جدوى من الإفراط في الصرف على الحلقة العسكرية على حساب التفريط في قوة الحلقات الأخرى… ان الدول التي لم تراعي هذا التوازن وافرطت بالصرف على حلقة التسليح وفرطت ببقية حلقات الامن الوطني انهارت مثل الاتحاد السوفيتي ‘السابق’، او تكاد تنهار مثل كوريا الشمالية التي طغت حلقتها العسكرية على بقية حلقات استقرار الوطن لتنتشر فيه المجاعة والرغبة الجامحة لمواطنيه بالفرار من وطنهم.
حقائق وعبر: لعل أبرز واهم دروس الغزو الغاشم على بلدنا هو اننا في الكويت بلد لا يصلح للمواجهة العسكرية منفردا، وذلك لعدة اعتبارات موضوعية منها صغر حجم السكان والمساحة الجغرافية وكبر حجم التهديد الحالي او المحتمل سكاننا ومساحتهً، والحال هذه لا بد من تبني عقيدة قتالية ــ معلنة وغير سرية ــ تلبي حاجة الوطن بالطريقة التي بها نحافظ على توافق وتناغم واتزان منظومة سلسلة الامن الوطني. ويمكن بعد ذلك الاسترشاد بهذه العقيدة في بناء مكونات سلسلة الامن الوطني بما في ذلك حلقة الدفاع.
مطلوب تحديد العقيدة القتالية: الجيش ـ أي جيش في العالم ـ يُبنى ويجهز لتحقيق أهداف معينة وفق فلسفة ومنهجية ـ آلية ـ مُحددة تُسمى ‘العقيدة القتالية’، ومن المعايير التي تُؤخذ بعين الاعتبار في رسم العقيدة القتالية للدولة هو حجم وطبيعة كل من التهديد الذي يمكن ان تتعرض له البلاد، وطبيعة ومساحة الأرض والموقع الجغرافي، حجم والطبيعة الديموغرافية للسكان، كما ان كل من التسليح المتاح للبلد والتسليح المتاح للخصم أو للعدو الفعلي أو المحتمل، كذلك الموارد المتاحة للدولة الذاتية والخارجية، والدين وثوابت المجتمع والدستور والقوانين المعمول بها محلياً ودولياً تساهم أيضاً في تشكيل وصياغة ‘العقيدة القتالية’، وقبل الشروع في شراء المزيد من التسليح لابد من تحديد ‘العقيدة القتالية’ المناسبة للكويت بعد الأخذ بعين الاعتبار المعايير السابقة كحد أدنى والتي نحسب إنها ـ العقيدة القتالية الكويتية ـ سوف لن تخرج عن الإطار التالي: “الواجب الرئيسي للجيش الكويتي هو الدفاع عن أمن وسيادة الوطن ضمن قوة ردع ودفاع مناسبة مكونة من الدول الشقيقة والصديقة، وعلى الدولة عمل اللازم لتجنب تلقي الضربة الأولى’.
التسليح المناسب: وعلى ضوء العقيدة القتالية نستطيع ان نحدد السبيل الأمثل لصياغة الآلية المناسبة لتنفيذها، بعيداً عن المبالغة أو الإفراط في هدر موارد الدولة البشرية والاقتصادية، متجنبين تكديس الأسلحة والمعدات وأخص بالذكر منها الثقيلة والمعقدة والصعبة الاستيعاب من ناحية الصيانة وقطع الغيار والتي تصبح مصدر استنزاف للموارد المالية والرضوخ تحت وطأة ابتزاز المتطلبات الفنية الأجنبية، والوقوع في فخ التبعية الفنية للدول المصنعة، كما ان البعض الآخر يطرح الكيان الصهيوني ‘إسرائيل’ كمثال في مواجهة عدة دول تفوقها سكانيا وجغرافيا وأقول إن المتاح لإسرائيل من معدات وتقنية عسكرية تضمن لها التفوق النوعي غير متاح لغيرها. وليس العبرة بشراء المعدات المكلفة على حساب استقرار الوطن ونموه في الجوانب الأخرى حيث ان الأداء العسكري للدولة خلال الحرب يحدده ويقرره أداؤها في زمن السلم في مختلف الجوانب والمحاور فالاستقرار الاجتماعي والتقدم العلمي والقوة الاقتصادية والرعاية الصحية والتعليمية في زمن السلم تصبح مؤشراً استباقياً لما سيكون عليه أداؤها العسكري في زمن الحرب.
صفقة الطائرات المقاتلة الاوربية التايفون ‘نموذج’: وتسمى المقاتلة الاوربية، (Eurofighter Typhoon) اشترك في تصنيعها تحالف كونسورتيوم أسس في عام 1986. يضم شركات من أربع دول أوروبية هي المملكة المتحدة، إيطالية، اسبانيا، وألمانيا، وهي طائرة قتالية متعددة المهام، ذات محركين، من الجيل الرابع وليس الخامس. والمصادر تفيد ان عدد الطائرات المزمع شرائها 28 وقيمتها من 8 الى 9 بليون دولار. ونحن هنا لسنا بصدد التقييم الفني للطائرة بقدر تقييم مدى ملائمتها فنيا وتوفير الدعم والردع للتهديد الذي يمكن ان تتعرض له الكويت…
تساؤلات واستفسارات: برسم البرلمان وهيئة مكافحة الفساد ولكل غيور يأبى البخل على وطنه بالنصيحة تفرض نفسها حول نية عقد صفقة التايفون نذكر منها:
س. هل جربت الطائرة في حرب حقيقة؟
س. لماذا برلمان أحد الدول المصنعة جمد عقد التزود بهذه الطائرة؟
س. هل ظهرت عيوب تصنيعية في الطائرة؟
س. هل لدى الدول المصنعة متفرغة او حتى مجتمعة قوة ردع لمواجهة التهديد الحالي او المحتمل الذي يمكن ان تتعرض له الكويت؟
س. ما تفاصيل الصفقة؟
س. هل صحيح ان قيمة الصفقة يتراوح بين ثمانية الى تسع بليون دولار؟ وهل يشمل ذلك تكلفة ما يسمى بالحالات المالية؟!!!
س. هل يتوافق إتمام هذه الصفقة مع الوضع الاقتصادي الحالي؟ وهل يبرر ذلك بالسحب من الاحتياطي المالي؟ وهل يتوافق مع الدعوة للتقشف وخفض الانفاق؟
س. قيمة الصفقة “ثمانية الى تسع بليون دولار’ كم جامعة وكم مستشفى وكم مصنع وكم منطقة سكنية بقسائمها ومرافقها يمكن ان توفر؟ كم محطة لتوليد الكهرباء وتقطير والماء؟
س. هل من الدول المصنعة من كان له موقف خاذل اثناء الاحتلال وامتنع عن دعم الكويت قبل ان يحصل على الدفع المالي مقدما او بضمان مالي؟ !!! فكيف يتم التعاقد بصفقة هو طرف فيها؟! ‘لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ’
س. هل كان من الممكن توفير الكثير من قيمة الصفقة بالاتجاه لتطوير الطائرات الموجودة بالخدمة او بالتزود ــ عند الضرورة ــ بالنسخ المتطورة منها ‘السوبر هورنت’ لدولة تملك الردع والامكانيات وأثبتت ولائها لمعداتها بالدعم غير المحدود مستفيدين من الورش والأنظمة الفنية والتدريب الحالية، ومتجنبين التكاليف الجديدة لبناء ورش جديدة وتدريب جديد.
س. هل تضيف الصفقة الى الامن الوطني القوة أم الضعف؟! فقيمة الصفقة الفلكية كم مستشفى جديد وكم جامعة جديدة وكم منطقة سكنية بمرافقها المتكاملة تبني…؟!!!
التنوع وعقود الصيانة ‘الأجنبية’: هي جزء لا يتجزأ من متطلبات صلاحية وجاهزية الأنظمة والمعدات الدفاعية والأسلحة، في الوقت الذي تتجه الدول الكبرى ولمتقدمة لتوحيد معداتها وانظمتها الدفاعية بل وحتى أسلحتها الخفيفة…، سعياً لتوفير مصاريف تعدد الصيانة والورش وتحاشي تنوع التدريب، فنجد أمريكا تتوحد حول طائرة الجيل الخامس F35 ومن المنتظر ان تحذو دول الناتو حذوها لنفس الأسباب، فهل تستطيع الكويت تحمل او استيعاب التنويع في المعدات الدفاعية مادياً وفنياً وتعبوياً وإدخال الجديد منها الى الخدمة …!!!
السيطرة على الآلة العسكرية: ان لدول المصنعة عندما تبيع السلاح فهي غالباً لا تبيع معه التنازل عن السيطرة عليه… حيث تظل الدول المصنعة للسلاح محتفظة بحق السيطرة على السلاح والمعدات والمنظومات الدفاعية لتحد من فعاليتها أو إخراجها من المعركة حتى قبل ان تبدأ متى ما رغبت…لابد من تقييم مدى الاعتماد على استقلالية المنظومات الدفاعية من ناحية، ومدى توفر قوة ردع التهديد واستمرارية الدعم الفني والتعبوي من الدول المصنعة في كافة الظروف… قبل شراء المعدات الدفاعية.. وقبل التفكير بقرار الحرب…
الفساد وبيئة عقود الدفاع: يجب ان تقييد بنظام رقابي فني ومالي وقانوني صارم ودقيق يضمن أفضل الأجواء والظروف التي تتيح انسب الفرص لاستقدام أفضل العروض بعيداً عن نفوذ النافذين حتى لا تتسرب صفقات دفاعية فاسدة تستنـزف وتهدر ثروات الوطن ولا يتم اكتشاف عدم ملاءمتها إلا عند الحاجة إليها في الظروف الحرجة وذلك بعد فوات الأوان.
[الفساد من الأخطار الكبيرة والمحيطة بأمن الدول… ويجب التصدي لهذا التحدي بالأنظمة والقوانين المحُكمة والصارمة للحد أملاً بمنع تغلل المنظومات الدفاعية الفاسدة تحت هالة التقنية المتقدمة من التسلل إلى جسم الدفاع الوطني] قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ”لعن الله الراشي والمرتشي“ رواه أحمد والطبراني وأبو داود ، والترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
في الختام ما هو الأهم؟!: ”الإنسان هو الأهم“، ان تناول موضوع التقدم الكبير للتقانة العسكرية يجب ان لا يقف بنا عند مشاعر الانبهار ـ وهو مبرر على كل حال ـ ولكن يجب ان نتجاوز هذه المشاعر لنتقدم إلى عالم المعرفة منطلقين منها بعناصر أربعة وهي:
مواطن قوتنا وضعفنا ومواطن قوة وضعف العدو… ”ورحم الله امرؤ عرف قدر نفسه“، العمل بكل ثقة وعزم على أساس من هذه المعرفة دون إفراط أو تفريط، بداية الطريق للاستفادة من التقانة بما فيها العسكرية تكون بتهيئة بيئة متزنة راسخة القواعد يكون محور اهتمامها الأهم هو ‘مبدع ومستخدم’ التقانة وهو الإنسان…، وتوفير احتياجاته من تعليم وصحة ورعاية اجتماعية واقتصادية… في جو من العدالة والديمقراطية.
هذا ما وددت بيانه ولاءً للوطن و وفاءً لأرواح شهداءنا الأبرار، متطلعا لكل مواطن ومواطنه كل من موقعه ان يساهم بشكل إيجابي في ترشيد القرار وتحمل مسئوليته الوطنيه،
وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يرحم شهداءنا الأبرار ويسكنهم فسيح جناته وأن يحفظ شعبنا الوفي من كل مكروه وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان والرخاء إن الله عز وجل قريب سميع الدعاء وصلى الله وسلم على خاتم الأنبياء و أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عبدالكريم السيد عبداللطيف السيد خالد الغربللي
الكويت
السبت 23 صفر 1437 الموافق 5 ديسمبر 2015