منع الرادار الإعلامي في إيران والمنطقة من رصد تفاصيل القتال العنيف الذي دار في الشهر الماضي بين قوات الحرس الثوري الإيراني وقوات كردية إيرانية، إلا أن مصادر إعلامية أفادت أن حصيلة القتلى في صفوف القوات الكردية كانت تقارب الـ12 مقاتلاً، إلى جانب عدد من القتلى في صفوف الحرس الثوري، وعلى الرغم من كونها أعداداً قليلة نسبة لأرقام قتلى النزاعات الدموية في المنطقة، إلا أن سنوات الهدوء بين الأكراد الإيرانيين والسلطة الحاكمة هناك تجعل من هذا النزاع المسلح حدثاً خطيراً.
في هذا السياق قال المحلل العسكري والاستراتيجي لصحيفة “هآرتس” العبرية، تسبي بارئيل، إنه على مدار العشرين عاماً الماضية ساد الهدوء بين المجتمع الكردي في إيران وبين السلطة، إلا أن الأحداث الأخيرة تطرح سؤالاً أساسياً؛ وهو: هل تولدت لدى الـ8 مليون كردي القاطنين في إيران الرغبة بالحكم الذاتي مثل نظيرهم الكردي في العراق؟ فهل يطمح أكراد إيران للانضمام لبقية القوات الكردية في المنطقة؟ وهل هذه الصحوة هي جزء من خطة دولية لإنشاء قوة كردية معادية لإيران أم أنه شأن كردي داخلي فقط؟
وهنا يذكر الكاتب أنه على مدار أكثر من عقدين أدار الحزب الكردي الديمقراطي الإيراني (KDPI) معاركه من داخل أراضي كردستان العراق، إذ يبلغ تعداد المقاتلين في صفوف الحزب 2000 مقاتل، يسكنون في مخيمات اللاجئين، وليسوا جزءاً مندمجاً في المجتمع الكردي العراقي، ويطمحون لإنشاء إقليم مستقل.
ويعتبر هذا الحزب الأكثر قدماً من بين الأحزاب الكردية في إيران، إذ تأسس عام 1945، ومقابله تشكّل حزب “الحياة الحرة” الكردي، الذي يعتبر الذراع الإيرانية لحزب العمال الكردستاني (PKK)، المصنف تنظيماً إرهابياً على اللوائح التركية والأوروبية.
وهنا يذكر أن كلاً من الحزبين يدعي أنه يمثل المجتمع الكردي الإيراني، فيما يعتبر الخلاف الأعمق هو بين حزب الـ (KDPI) وحكومة كردستان العراق التي تعترض على النشاط المسلح الذي يقوده الحزب ضد النظام الإيراني.
وفي نفس السياق يوضح الكاتب أن الموقف الكردي من الانفصال يختلف وفقاً للمصالح الاقتصادية، فهي التي تحدد الأجندة والاستراتيجية لكل مجموعة من الأكراد، فعلى سبيل المثال؛ تهتم الحكومة الكردية في العراق بتعزيز العلاقات مع تركيا لتتمكن من تسويق منتجاتها النفطية عن طريق ميناء جيهان التركي، الذي يعتبر بوابتهم لسوق النفط العالمية. وفي نفس الوقت تعزز الحكومة علاقاتها مع إيران، فمن المتوقع هذا الأسبوع توقيع مذكرة تفاهم بين الطرفين لإنشاء أنبوب نفط لنقل 600 ألف برميل يومياً عن طريق إيران للخليج العربي وباقي دول العالم.
وعليه، سيكون الأنبوب أحد أسباب تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الإقليم الكردي وإيران، الذي يهدف إلى تقليل ارتباطه بتركيا، والاستعداد لأي سيناريو تحاول من خلاله تركيا استخدام ورقة تجارة النفط للضغط على كردستان، لكن العلاقة بين الأكراد في العراق وبين إيران يمكن أن تتضرر كثيراً إذا ما استمر الحزب الكردي الإيراني مقارعة النظام الإيراني في بيته.
وفي هذا الشأن قال القائد في الحزب الكردي الإيراني، حسن شرافي، الأسبوع الماضي: “لا يمكن أن نجلس مكتوفي الأيدي من أجل مصالح كردستان العراق، فمن غير العدل أن يضحي جزء من كردستان بمصالح بقية الأكراد لأجل مصالحه”.
لكن المصالح الاقتصادية تقف نصب عيون قيادة الإقليم الكردي في العراق، وعليه طلبت مؤخراً من الحزب الكردي الإيراني التوقف عن قتاله لقوات الحرس الثوري الإيراني؛ خوفاً من أن تجتاح إيران أراضي كردستان العراق من أجل ضرب قواعد الحزب العسكرية الواقعة شمالي الإقليم.
وفي هذا السياق صرّح مسؤول بحكومة كردستان لصحيفة “هآرتس” العبرية أن مقاتلي حزب الـ (KDPI) لن يستجيبوا لهذه المطالبة، وأن حكومة كردستان تدرس إمكانية طردهم من الإقليم، وأضاف: “إذا أرادوا الاستمرار بقتال النظام الإيراني فليفعلوا ذلك من أراضيهم وليس من كردستان”، واعتبر أنهم يحاولون أن يذكّروا العالم بوجودهم.
وفي سياق متصل يقول الكاتب، إن إحدى النظريات والتحليلات المنتشرة هذه الأيام تفيد بأن تحريك أكراد إيران يهدف لإنشاء “كتلة كردية” تشغل إيران داخلياً، وتجبرها على سحب قواتها من سوريا.
من ناحية أخرى يرى مراقبون أنه -نظراً للأهمية الاستراتيجية التي تمنحها الولايات المتحدة للأكراد في سوريا في ظل الحرب ضد تنظيم “الدولة”، والحرب التي تشنها تركيا ضد القوات الكردية- سيطلب أكراد إيران أن يصبحوا جزءاً من نفس المشهد، أي من المحور الكردي المتماهي مع الغرب والمعادي لإيران، ومن هنا قد يحظى بجزء من الدعم المادي الممنوح لأكراد سوريا والعراق.
جريدة الحقيقة الإلكترونية
